19 سبتمبر 2025
تسجيلأعلن رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان عن نيته زيارة روسيا والالتقاء بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن في 18 يوليو الجاري. الزيارة وصفت في الإعلام التركي بالمفاجئة والمهمة والمتعلقة بالوضع في سوريا. رغم استمرار العلاقات الاقتصادية الجيدة وتدفق السواح الروس إلى تركيا فإن العلاقات السياسية بين أنقرة وموسكو تشهد منذ بداية "الربيع العربي" توترا وبرودة واضحة. بدأت مع الوضع في ليبيا حيث ما لبثت تركيا أن اتخذت مكانا لها في الهجوم الأطلسي على معمر القذافي، فيما اعتبرت روسيا أن استخدام القوة المسلحة لخلع القذافي خديعة وغدر حيث لم يُشر قرار مجلس الأمن حينها إلى هذا الاحتمال. وكان يمكن تجاوز هذا القطع في العلاقات التركية الروسية لو لم تنفجر الأزمة السورية التي شكلت الساحة الرئيسية لتراجع العلاقات بين روسيا وتركيا. منذ البداية افترقت رياح البلدين في الموقف من سوريا. وتصادمت إستراتيجيتا البلدين في موقف من حدث دولي كما ليس من قبل. وشرع الطرفان في اتخاذ إجراءات ضد الآخر مباشرة أو بالوكالة ولا يزال ذلك مستمرا حتى الآن. في لغة المصالح لا يمكن إلا تفهم مبررات الموقف الروسي في دعم النظام السوري. 1- سوريا آخر موطئ قدم لروسيا في الشرق الأوسط. إن ذهب النظام خرجت روسيا من المنطقة.على اعتبار أن أي نظام بديل لن يكون تابعا أو صديقا لروسيا. 2- سوريا آخر ميناء روسي على البحر المتوسط. إن ذهب النظام تقفل المياه الدافئة بوجه السفن الروسية. 3- سوريا سوق رئيسي لبيع السلاح الروسي. 4- إن سقط النظام في سوريا وحل بدلا منه نظام عماده الإخوان المسلمين فسيشجع هذا التيارات الدينية على التمدد إلى روسيا خصوصا أن حزب العدالة والتنمية التركي سيعتبر نفسه منتصرا. وإذا كانت الحركات الإسلامية أداة بيد العلمانيين في سياساتهم من قبل ضد روسيا فكيف الأمر مع حزب العدالة والتنمية الذي تخلى عن سياسات الوسطية وبات يجاهر بنزعاته الدينية. 5- إن خسارة روسيا لسوريا ستكون ضربة كبيرة لقدرتها على المنافسة في سوق الطاقة العالمي حيث يمكن لنفط وغاز الخليج العربي أن ينافسه عبر خطوط الأنابيب عبر سوريا فتركيا إلى أوروبا. إن التوجس الروسي من سياسات حزب العدالة والتنمية بلغت ذروة في قرار تركيا الموافقة على نشر الدرع الصاروخية في منطقة ملاطيا في تركيا. وموسكو تدرك جيدا أن هذه الدرع تستهدفها وتستهدف إيران حليفة روسيا. ولم تكن روسيا تتوقع أن تستمر تركيا بعد انتهاء الحرب الباردة وأن تتحول من جديد إلى منصة تهديد لروسيا. وقد أطلق المسؤولون الروس من سياسيين وعسكريين وعلى أعلى المستويات من التصريحات الواضحة جدا باحتمال ضرب رادارات الدرع الصاروخية في تركيا بل حتى استخدام الأسلحة النووية إذا تعرضت روسيا لتهديد من الدرع الصاروخية. إسقاط الطائرة التركية مؤخرا من قبل سوريا كان أحد آخر مظاهر الصراع بين تركيا وروسيا. فلم تبتعد المؤشرات والدلائل على أن لروسيا دورا في إسقاط الطائرة التركية سواء بالمدفعية أو بصاروخ أو لجهة عملية رصد الطائرة خصوصا أن روسيا نصبت في الأشهر الأخيرة منظومة رادارات ودفاعا جويا صاروخيا متطورا في سوريا وعلى مقربة من الحدود التركية. وقد أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن بحوزة روسيا معطيات عن إسقاط الطائرة التركية يمكن لتركيا الاطلاع عليها. زيارة أردوغان إلى موسكو تأتي بعد كل هذه التطورات ووسط مشهد تركي مرتبك حول كيفية إسقاط الطائرة التركية من قبل روسيا وأسباب هذا الإسقاط. وربما بعد اكتمال التحقيق التركي حول سقوط الطائرة بعد العثور على الطيارين وحطام الطائرة وعدم وضوح ملابسات العملية يمكن لأردوغان أن يستكمل المعلومات التركية وربما الأمريكية حول هذا الموضوع ليبني على الشيء مقتضاه. والزيارة لا شك ستكون مناسبة لكي يقنع أردوغان بوتن بالتخلي عن الأسد أو ما شابه. وما لم تحدث مفاجأة تتصل بتغير الموقف التركي لا الروسي وفي ظل المعطيات التي أسلفنا يمكن توقع أن تكون الزيارة.. فاشلة.