14 سبتمبر 2025

تسجيل

جلد الفجار ( 1 - 2)

14 يوليو 2009

من بليات الدهر أن يقف أهل الخير والصلاح مكتوفي الأيدي معصوبي العيون قد اتسعت الخروق على الراتقين بينما يتفلت الناس كفراش أبهره الضوء فألقى نفسه في النار غير عابئ. من نكد الدنيا أن يقف كل عاقل عاجزا أمام كل تلك المتغيرات من الأحوال وأمام كل طغيان للمادة واختلاط للمفاهيم. قال المتنبي: ومن يجد الطريق إلى المعالي فلا يذر المطي بلا سنام ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام نعم هناك أسباب خارجة تزيد الغربة والبعد بين عقل العقلاء وواقع الحال ومن ذلك تبني المتنفذون وأصحاب الأموال نصرة الباطل والترويج للانحراف..كم من فضائية هابطة ومجلة فاجرة وبرامج خرقاء يرعاها أشخاص لهم ثقلهم في المجتمعات بل وربما يحسبون من أهل الخير. خذ مثالا على ذلك قضية المرأة -وهم يحتفلون الآن بيوم المرأة العالمي-: فلا تزال تلك القضية تبدأ من حيث بدأ الناس لا من حيث انتهوا فلا نزال نسمع كلاما مكررا ممجوجا عن حرية المرأة ورفع الظلم عنها في تعميم مقيت لحال بعض النساء في الشرق قد يقع عليهن ظلم من قبل بعض ذويهم وبينما يوجد أضعافهن في الغرب يعانين أكثر من العنف ضدهن والاستهانة بهن ومن ابتزازهن - وهذا كله ثابت بتقارير حقوق الإنسان ولجان الرصد في الغرب- لكن لابد للعبيد أن يرددوا ما يريده السادة حتى ولو كانت جل نسائنا قريرات العيون مكرمات في بيوتهن كفاهن الله تعالى مؤنة العمل والقيام بدورين دور رجل في عملها في الخارج يرهقها ويتعبها..ثم تعود لتمارس دور امرأة في أسرتها يفترض معه أن تكون مربية للأبناء وبلسما للجروح. يحدث هذا ويروج له بينما تفرغت أكثر من ستة ملايين امرأة في أمريكا وحدها لرعاية أسرتها تاركات لكل مغريات ممارسة العمل من الحاجة المادية والتقدير المعنوي لما بأن لهن مقدار خسارتهن وخسارة أسرهن بسبب ذلك الانشغال بتلك الأعمال. نقول هذا لقومنا لكن عجلة التغيير قد انحدرت من عل -برعاية المتنفذين -لا يوقفها نصح ناصح ولا رؤية حكيم. ..وقد جرت تلك العجلة معها كل مشكلات التبرج والاختلاط وشؤم المعاصي فإن الأخطاء يجر بعضها بعضا وانظر إلى ما يبث عبر القنوات الحكومية في جل بلادنا العربية من فيديو كليب وما تدأب الجرائد والمجلات المحلية على مبارزتنا به من صور خليعة فاجرة تخدش الحياء العام، ومرة أخرى يقف المصلحون كامدين ينصحون ولا مجيب إلا من رحم الله تعالى، ومرة أخرى نعود للحديث عن عجز التقي وجلد الفاجر وقد كان عمر رضي الله عنه يقول اللهم إليك أشكو جلد الفاجر وعجز الثقة..) ونحن إن كنا لا نملك دفع الفاجر الجلد. فلنعد إذن إلى حال التقي مرة أخرى وإلى حديث التقصير والتهاون الذي ننأى بهم عنه -لأنه ما نملكه- ونقول لا بد لأهل الخير من تعود الجلد وتصبير النفس على المكاره وهذا لعمر الله تعالى من الجهاد في سبيل الله عز وجل فإن المسلم مطالب بالصبر..فصبر على الطاعة وصبر عن المعصية قال ابن زيد: الصبر في هاتين فصبر لله على ما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان وصبر عما يكره وإن نازعت إليه الأهواء فمن كان هكذا فهو من الصابرين وقرأ: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) (الرعد:24) (1). وهذه الدنيا وإن كانت دولة الباطل فيه ساعة فإن دولة الحق إلى قيام الساعة والأمور تجري وفق قدر الله وحكمته ولو شاء الله تعالى لقهر أهل الباطل ودحرهم وأنهى شأنهم،لكن لتأخر النصر ولقوة الباطل حكما كثيرة ومن تلك الحكم أن يبتلى أهل الخير بأهل الباطل وأهل الباطل بأهل الخير فيندفع بذلك الشر كليا أو جزئيا فإن كان في بعض الأحوال لا يندفع فإن من حكمة ذلك أن ينكسر الداعية لربه فيراجع نفسه ويعود له، ومن تلك الحكم أنه ينبغي للعامل للخير ألا يغتر بعمله ويثق فيه وهو في نهاية الأمر سبب من أسباب النصر خاضع لمشيئة الله تعالى، فليكن دوماً على وجل أن يفتن عنه فيحرم من الثواب، ومن الحكمة أن يمحص الله تعالى أهل الصدق و يتخذ منهم صديقين يقربهم ويدنيهم ويستعملهم على حوائج الناس عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «... إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله على قضاء حوائج الناس» (2). ومن أجل حوائج الناس حاجتهم إلى إصلاح نفوسهم وعلاقتهم بربهم وتعلم ما ينفعهم عنده فالدعوة إلى الله وتعليم الشرع والفقه في الدين من الحوائج، وأخرج أحمد والترمذي عن أنس بن مالك مرفوعاً: «إذا أراد الله بعبده خيراً استعمله قبل موته، قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح ثم يقبضه عليه» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ومن تلك الحكم أن تقوم حجة الله تعالى على خلقه وأن يترك الفرصة كاملة لاختيار الإنسان لأي الطريقين. فيجب على المصلحين ألا ييأسوا..وأن يبتعدوا عن العجز فما أعياه من عيب..وللحديث بقية.