12 سبتمبر 2025

تسجيل

التعليم عن بُعد... ومدى استمراريته

14 يونيو 2020

في ظل اجتياح فيروس كورونا كوفيد - 19، للعالم بأسره، وما ألقاه من ظلالٍ داكنة على مناحي الحياة الاجتماعية، وتعطيل مناشطها الاقتصادية والثقافية والتعليمية وغيرها، بما فيها الدراسة الجامعية، فلم تجد الجامعات بما فيها جامعة قطر سبيلاً لمواجهة هذا التحدي إلا التعليم الإلكتروني عن بُعد، باعتباره بديلاً للتعليم عن قرب وجهاً لوجه بين المعلم والمتعلم. وبناءً عليه، تبنت الجامعة هذا المنحى، وسُخرت كل الإمكانات البشرية والمادية لتفعيل هذا النوع من التعليم، فعُقدت الدورات التدريبية وورش العمل الخاصة بالتعريف بأساسيات ومبادئ التعليم الإلكتروني عن بُعد، وتدريب كل أساتذة الجامعة تقريباً على كيفية التعامل مع هذا النوع من التعليم فيما يتعلق بالتدريس والتقييم عن بُعد. وقد خاضت جامعة قطر هذه التجربة، وسجلت نجاحاً باهراً في تدريس الطلبة وتقييمهم عن بُعد عبر شبكة الإنترنت، حيث رصدت انطباعاً عاماً جيداً، وكونت اتجاهاً إيجابياً لدى طلبة الجامعة وأساتذتها نحو هذه التجربة السريعة، مما قد يكون له أوقع الأثر في تعميم التجربة مستقبلاً وفقاً للحاجة في مثل هذه الظروف الاستثنائية، ولكن "الزين ما يكمل" – كما يُقال في الأمثال الشعبية – فقد أٌخذ على هذا النجاح بعض التحفظات والمخاوف من عملية التقييم عن بُعد، من حيث المصداقية والموضوعية والإنصاف في ظل غياب المراقبة البشرية المحكمة التي قد تولد الظلم وعدم المساواة بين الطلبة. ولكن نجاح هذه التجربة، وموضوعية ومنطق نتائج الطلبة المعقولة الناتجة عن التحكم في أساليب التقييم، ربما تشفع لها بعض الشيء ليكون لها أثر في تبديد هذه المخاوف، واستبدالها بشيء من الاطمئنان الحذر، للتعامل مع هذه الملاحظات السلبية التي يمكن احتواؤها بطريقة أو بأخرى والتغلب عليها في نهاية المطاف. والسؤال الذي يطرح نفسه هو.. هل يستمر التعليم عن بُعد مع مقررات جامعة قطر بعد انتهاء أزمة كورونا، وهل سيحل التعليم الإلكتروني عن بُعد محل التعليم العادي المباشر وجها لوجه في القاعة الدراسية بين المعلم والطالب؟ سؤال يراود الكثير من الطلبة وأساتذة الجامعة، ويختلف عليه الكثير أيضا من الفئتين، فالإجابة منقسمة بين النفي والإيجاب. فبالنسبة للشق الأول من السؤال المتعلق باستمرارية التعليم عن بُعد في الفصول الدراسية القادمة، فالأمر متروك للظروف المقترنة بالأزمة، وهذا ما يفسر استمرار النظام حاليا في الفصل الدراسي الصيفي، فما زال التعليم يتم عن بُعد في جامعة قطر، ومن البيت إلى البيت، ويمكن أن يستمر مع الجميع في ظل الظروف الاستثنائية الحالية. ولذا، فقد يستمر النظام مع البعض، ويتوقف مع البعض الآخر وفقا للرغبة في الظروف العادية عندما تنقشع سحابة الوباء القاتمة. أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال المتعلق بإمكانية أن يحل التعليم الإلكتروني عن بُعد محل التعليم العادي المباشر وجهاً لوجه بين المعلم والطالب عن قرب، فالإجابة بالطبع "لا" فالتعليم الإلكتروني عن بُعد لا يمكن أن يحل محل التعليم العادي بين المعلم والمتعلم في القاعة الدراسية، لكنه يمكن أن يكون بديلاً عندما تدعو الحاجة في مثل هذه الظروف الاستثنائية وغيرها، باعتباره تعليم طوارئ كما يحلو للبعض تسميته. فالتعليم العادي في الظروف العادية هو الأفضل، وهو في الواقع مطلوب وأكثر إلحاحاً، لما له من سمات وخصائص ومميزات وأهمية تضمن التفاعل والأخذ والرد بين طرفي العملية التعليمية، فهو في الأساس يقوم على الواقع المحسوس الملموس، وما يرافقه من دفء وجداني، وحماس وفاعلية بين المعلم والمتعلم أثناء المحاضرة أو الدرس، وتأثيره الفعلي على العلاقات الاجتماعية، والتواصل المباشر بين أفراد المجموعة الواحدة من الطلبة ومعلميهم، وما تنجم عنه هذه العلاقات من تعاون في الدراسة وحل المشكلات التعليمية سواءً بين المتعلمين أنفسهم، أو بينهم وبين أساتذتهم. فبيئة الصف الحقيقي الواقعي بطبيعتها وخصائصها لها حضورها وفاعليتها في العملية التعليمية، وهذا ما يميزها عن بيئة التعليم الإلكتروني الافتراضي عن بُعد، التي في غالبها تفتقر إلى مثل هذه الإمكانات والسمات. فكثير من أساتذة الجامعة يفضلون اللقاء المباشر في القاعة الدراسية بينهم وبين طلبتهم، حيث الفرصة المواتية للتعرف على انطباعات الطلبة ومدى مشاركتهم أفكارهم مع معلميهم في المادة الدراسية، مما يساعد المعلم في الحكم على مدى فاعلية تدريسه، وأثر ما يقدمه من معلومات وحقائق ونظريات على نفوس طلبته وسلوكياتهم داخل القاعة الدراسية، والتي يتعذر رصدها في مواقف التعليم الإلكتروني عن بُعد، حيث المسافات الزمانية والمكانية، والحواجز والموانع العصرية الحيوية الناجمة عن المعيقات التكنولوجية والفنية، وغيرها من المعيقات التعليمية. وبالتالي ترجح كفة التعليم العادي المعتاد المباشر عن قرب ووجها لوجه في الظروف العادية غير الاستثنائية على كفة التعليم الإلكتروني عن بُعد. ولذلك، فاستمرارية التعليم عن بُعد مرهونة بالظروف الاستثنائية الحالية المرتبطة بجائحة كورونا التي تفرض التباعد الاجتماعي، وتفوت فرص التعليم الجماعي عن قرب في القاعات الدراسية. كلية التربية – جامعة قطر [email protected]