15 سبتمبر 2025
تسجيلالمتأمل في آيات الصيام يجد أنها سبقت بقوله تعالى: (لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ..)، وجاء بعدها قوله تعالى: (وَلَيْسَ ٱلْبِرُّ بِأَن تَأْتُواْ ٱلْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا وَلَٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنِ ٱتَّقَىٰ..) إن ديننا لا تنفصل فيه الشعائر التعبدية، عن المشاعر القلبية، ولا يستقيم إلا بأن يشمل الدنيا والآخرة، وشؤون القلب، وأن يشرف على الحياة كلها. لقد جاء القرآن ليصحح التصور الإيماني للبر، فالبر هو التقوى، هو الشعور بالله ورقابته في السر والعلن، وليس شكلية من الشكليات التي لا ترمز إلى شيء من حقيقة الإيمان. إنّ أخطر ما تتعرّض له العبادات أن تتحول إلى طقوس وشكليات، وتفرغ من الروح والمضمون والفحوى واللباب والجوهر. ولعلّ الصيام أكثر عبادة تعرّضت لمثل هذه المسألة وانظر لحجم الأطعمة والمشروبات والسهرات والتمثيليات والملهيات وو....الخ . ومن هنا جاء سابقاً ولاحقاً: (لَّيْسَ الْبِرَّ)، أيّ يا مسلمون لا تحوّلوا العبادات إلى عادات وطقوس وقشور وشكليات، فليس البر في الشكليات إنّما البر في الجواهر والمحتويات. وفي الحديث (مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صل الله عليه وسلم فَقَالَ لرَجُلٍ عِنْدَهُ جَالِسٍ: (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا)؟ فَقَالَ: رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ، قَالَ: فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم، ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ آخَرُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم-: (مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا)؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا رَجُلٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، هَذَا حَرِيٌّ إِنْ خَطَبَ أَنْ لا يُنْكَحَ، وَإِنْ شَفَعَ أَنْ لا يُشَفَّعَ، وَإِنْ قَالَ أَنْ لا يُسْمَعَ لِقَوْلِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صل الله عليه وسلم: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الأَرْضِ مِثْلَ هَذَا). لقد أنزل الله عز وجل في المنافقين سورة فضح بعض مواقفهم، وأخبر عن بعض صفاتهم ومنها (وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ). إن ظاهر المنافق دائمًا خير من باطنه، فظاهره الإيمان، وباطنه الكفر، وهو فصيح اللسان، لكنه يقول غير ما يعتقد؛ فهو كذاب، وهو جميل الصورة، لكنه فاقد الصفات النبيلة والأخلاق الجميلة. لقد اهتم الإسلام بظاهر المسلم وباطنه، وإن كانت عنايته بالباطن أكثر؛ لأن الباطن هو المقصود والأساس (إِنَّ اللَّهَ لا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ). فاللَّهُمَّ اجْعَلْ سَرِيرَتنا خَيْرًا مِنْ عَلانِيَتنا، وَاجْعَلْ عَلانِيَتنا صَالِحَةً.