11 سبتمبر 2025

تسجيل

الاختيار بين «من معروف» و {بالمعروف»

14 يونيو 2016

الاختيار بين (باء) الجر و(مِن)، ففي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوف) البقرة: 234، يلاحظ التركيب (فعلن في أنفسهن بالمعروف) جاءت الباء متعلقة بالمعروف، وفي قوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ ۚ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن معروف)البقرة: 240 جاءت (معروف) نكرة وقد سبقت بـ(من) الجارة، ولم تسبق بالباء كالآية الأولى، والمقام الدلالي واحد، فهو يتحدث عن المتوفى عنها زوجها. والآية الأولى ناسخة للآية الثانية وإن تقدمت عليها في التلاوة في رأي بعض المفسرين الكشاف 1/469، ومن ثم يكون الحكم في الثانية أن المرأة تحبس نفسها في بيت زوجها المتوفى الذي كان يوصي لها بنفقة تتمتع بها من تركته عاما كاملا، ثم بعد ذلك لها أن تفعل في نفسها بعد هذه المدة أي معروف في مثل حالتها من القبول بالخطاب وما إلى ذلك، وفي الآية الأولى نسخ الحكم، فأصبحت المتوفى عنها زوجها حابسة نفسها أربعة أشهر وعشرا، وهذا التخفيف أتبع بأن عليهن مراعاة المعروف الذي أشير إليه، والالتزام به آكد، فهن في فترة العدة لا جناح في التعريض بالنكاح، وهن بعد انقضاء العدة التي قصرت عن عام إلى أربعة أشهر وعشرا أصبحن في حل من أمرهن من أن يفعلن ما في مثل حالتهن بالمعروف، وجاء المعروف معرفا وملصقا بالباء للتأكيد عليه، لأن الحكم الجديد يتطلب التأكيد؛ لتطمئن إليه النفس، أما الأولى فـ(من) تفيد التبعيض، أو ابتداء الغاية أي بعض المعروف أو من بداية ما يقال إنه معروف، ومعروف نكرة تفيد العموم والشمول، وهي بعد عام من وفاة زوجها الأول قد هدأت نفسها، واتسعت فكرتها في حياتها وربما أصبحت خيارات المعروف أمامها أكثر؛ لطول الزمن الذي يتيح إعلاما وتفكيرا لها وفيها، ومن ثم فما عليها جناح في أن تفاضل وتأخذ ما يناسبها، أما الأولى فقصر المدة يدعوها إلى أن تكون أكثر تركيزا في المعروف الذي ستفعله في نفسها. وهذا التأويل في حالة الأخذ برأي النسخ، لا يتعارض أيضا مع من يرى ألا نسخ في الحكم بين الآيتين، "فالآية الأولى تقرر حق المتوفى عنها زوجها في وصية منه تسمح لها بالبقاء في بيته والعيش من ماله، مدة حول كامل، لا تخرج ولا تتزوج إن رأت من مشاعرها أو من الملابسات المحيطة بها ما يدعوها إلى البقاء، وذلك مع حريتها في أن تخرج بعد أربعة أشهر وعشر ليال كالذي قررته آية سابقة، فالعدة فريضة عليها، والبقاء حولا حق لها، وبعضهم يرى أن هذه الآية منسوخة بتلك. ولا ضرورة لافتراض النسخ، لاختلاف الجهة كما رأينا. فهذه تقرر حقا لها إن شاءت استعملته. وتلك تقرر حقا عليها لا مفر منه"([1]).وعلى هذا التأويل يكون (بالمعروف) أكثر إيحاء بالالتزام المفروض على المرأة من خلال باء الجر المفيدة الإلصاق، ­­وتعريف (المعروف)، أما (من معروف) فإنها تخفف من حدة هذا الالتزام فالمرأة بعد انقضاء عدتها وهي تقيم في بيت زوجها لا جناح عليها في أن تتصرف في حالها بما يناسبها، ولذا جاءت من التي يمكن أن تفيد ابتداء الغاية أي من بداية ما يقال إنه معروف، أو التبعيض أي بعض المعروف.