15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإرهاب الإلكتروني

14 يونيو 2015

"نحن في معركة وأكثر من نصف هذه المعركة تجري وقائعها في ميدان الإعلام، نحن في معركة إعلامية من أجل قلوب وعقول أمتنا"، هذا ما صرح به الدكتور أيمن الظواهري للتعبير عن أهمية ودور الإعلام في المعادلة الإرهابية. فلا غرابة أن تكون الشبكات الاجتماعية والإعلام الجديد هي منابر ومحطات المستقبل بالنسبة للجماعات الإرهابية للتواصل مع الشركاء والأعداء والعالم بأسره. قدم الإعلام الجديد خدمة لا مثيل لها للجماعات الإرهابية، حيث إن سهولة الولوج إلى المنابر والمحطات والتطبيقات على الشبكة وسرعتها وانتشارها عالميا سهل مهمة هذه الجماعات في تحقيق أهدافها. لا يخفى على أحد أن الإرهاب بدون إعلام يموت وينقرض وأن الهدف الأسمى لأي عملية إرهابية هو الوصول إلى الرأي العام والحصول على العلنية وبذلك التأثير في الجماهير. ومن هنا نلاحظ أن الجماعات الإرهابية استثمرت في الإعلام الجديد لتحقيق هدفها الأسمى وهو الدعاية التي تعتبر إلى جانب الحرب النفسية، من أهم الإستراتيجيات التي تستعملها الجماعات الإرهابية لتحقيق أهدافها. ويعتبر الإعلام الجديد بمختلف تطبيقاته ومنصاته ومنابره وسيلة تؤدي الغرض على أحسن وجه، حيث حرية التصرف والتواصل واستخدام الصوت والصورة والنص والتفاعلية لتحقيق الغرض. الإعلام الجديد وسيلة تتيح للإرهابيين ليكونوا مثل غيرهم، لديهم حضور ومتابعون وجمهور يتفاعل معهم. تستخدم الجماعات الإرهابية الإعلام الجديد لكونه واسع الانتشار والاستعمال من قبل الجمهور بمختلف فئاته وشرائحه. كما يتميز الإعلام الجديد، خاصة الشبكات الاجتماعية، بكونه مجانيا ولا يكلف شيئا، كما يتيح الفرصة للجماعات الإرهابية لتتواصل مع الجماهير الافتراضية وتذهب إليها بأفكارها وأيديولوجيتها وتخبرها بالمستجدات بطريقة آنية ومتواصلة. * يوتيوب: تعتبر خدمة اليوتيوب من أهم المنابر المستخدمة من قبل الجماعات الإرهابية لنشر ثقافة الإرهاب ونشر الدعاية وتجنيد الشباب عبر العالم. من جهة أخرى يستخدم اليوتيوب لبناء شبكات التواصل بين أعضاء ومنتسبي ومناصري ومتتبعي الجماعات الإرهابية مما يسمح بإرسال رسائل خاصة للمستخدمين وكذلك التعرف على بعضهم البعض، مما ينتج في الأخير مجتمعا إرهابيا افتراضيا. لقد تم استخدام اليوتيوب لأول مرة في فبراير 2005 كقاعدة لتبادل الفيديوهات. وحسب يوتيوب هناك مليار مستخدم لليوتيوب يشاهدون 6 مليارات ساعة من الفيديوهات كل شهر، وهناك تحميل لـ100 ساعة من الفيديوهات كل دقيقة. وحسب إحصاءات يوتيوب تمت مشاهدة ألف مليار فيديو في سنة 2011. وحسب يوتيوب فهناك مواقع في 16 دولة بـ61 لغة وأن %70 من محتوى اليوتيوب يأتي من خارج الولايات المتحدة الأمريكية. * فيسبوك: يعتبر الفيسبوك الشبكة الاجتماعية الأضخم والأكبر بمليار و310 ملايين مستخدم. يبلغ معدل عمر مستخدمي الفيسبوك 30 سنة وتبلغ نسبة انتشاره في الشرق الأوسط 67%. اهتمت الجماعات الإرهابية باستخدام الفيسبوك ودعت إلى "غزوه"، نظرا لفعاليته وتحقيق الأهداف المختلفة من خلاله كتقديم المعلومات الخاصة بصناعة القنابل والقيام بعمليات القتال وتقديم مختلف المعلومات للمنتسبين والقيام بالدعاية و"كبتك" للمعلومات. * تويتر: إحدى أشهر الشبكات الاجتماعية ووسائل التواصل الاجتماعي، يقدم خدمة التدوين المصغر والتي تسمح لمستخدميه بإرسال «تغريدات» عن حالتهم أو عن أحداث حياتهم أو إبداء آرائهم بحد أقصى 140 حرفا للرسالة الواحدة. وذلك مباشرة عن طريق موقع تويتر أو عن طريق إرسال رسالة نصية قصيرة SMS أو برامج المحادثة الفورية أو التطبيقات التي يقدمها المطورون، مثل الفيسبوك وTwitBird وTwitterrific وTwhirl وtwitterfox. حسب الإحصاءات وبمنتصف 2013 كان هناك 554750000 مستخدم لتويتر استخدموا 9100 تغريدة في كل ثانية أو 58 مليون تغريدة في اليوم. تتركز استخدامات الجماعات الإرهابية لتويتر لنشر الدعاية وضمان الاتصال الداخلي وتوجيه المستخدمين إلى روابط أخرى على الشبكة تستعملها الجماعات. * إنستجرام وفليكر: يعتبر إنستجرام من أشهر التطبيقات في تخزين وتبادل الصور، حيث إنه بنهاية 2013 كان هناك 150 مليون مستخدم لإنستجرام يتبادلون 55 مليون صورة في اليوم، أما فليكر فتقدم خدمة تحميل الصور والفيديوهات. في شهر مارس 2013 كان هناك 87 مليون مستخدم لفليكر وحوالي 8 مليارات صورة. استغلت الجماعات الإرهابية إنستجرام وفليكر لأغراض الدعاية لتمجيد روادها كأسامة بن لادن وأنور العولقي. ولقد أصبح تأثير داعش بعيد المدى، كما لم يعد جمهوره يقتصر على المسلمين وحدهم، فأشرطة الفيديو الخاصة بالتنظيم يتم بثها على شاشات التلفزيون الغربي، بالإضافة إلى حساباته على إنستجرام، وفيسبوك وتويتر. ولم يعد بالإمكان تجاهل فكر وسلوك داعش نتيجة للبيئة المترابطة عالميا، حيث إن استخدامهم لوسائل الإعلام الاجتماعي كوسيلة لنشر الرسائل الراديكالية والهجمات العنيفة ليس شيئا جديدا في حد ذاته، لكن الطريقة التي تبناها "داعش" في استعمال وسائل الإعلام كأداة لتجنيد المقاتلين الأجانب وإحداث الخوف والهلع على مستوى عالمي هو الجديد الذي أتقنه هذا التنظيم. والذي أسس جيشا من الكتاب والمدوّنين وغيرهم من الناس الذي أصبح تركيزهم على رصد وسائل الإعلام الاجتماعي يتزايد، يوما بعد يوم، ليس فقط بسبب إسهامها في نشر أشرطة الفيديو المنتجة مهنيا باحترافية أقرب للخيال، والتي تصوّر عمليات قطع الرؤوس، بل من أجل استخدام هذه المحتويات بطريقة جذابة من أجل التواصل مع المؤيدين والمريدين. ومن أهم الأهداف التي يحققها الإرهاب الإلكتروني تجنيد الشباب، حيث تبدأ عملية التجنيد بغرس الأفكار التي تستغرق وقتاً متفاوتاً يعتمد على ما توفره وسيلة نقل المعلومات من مواد سمعية وبصرية، ثم بعدها تبدأ مرحلة تبادل الحوارات من خلال غرف الدردشة التي تتيح للمدبر كشف شخصية من يتحاور معه ومدى إمكانية اختياره وتجنيده. وخطر ذلك أنه يتم بسرعة شديدة وبتكلفة زهيدة. وأخطر أنواع الشباب الذين تحرص عليهم المنظمات والخلايا الإرهابية - كما ورد في بعض الدراسات - هو الشاب المتفوق ولكنه المنطوي على نفسه، حيث يحاول الهرب من المجتمع، لأن لديه عدم رضا عن كل شيء، ولذلك فيمكن اجتذابه بسهولة ويكون لديه استعداد نفسي لتنفيذ ما يُطلب منه. من خلال الإعلام الجديد تمارس الجماعات الإرهابية مختلف تقنيات وأساليب الإقناع للتأثير في الناشئة واستمالتهم واستقطابهم للالتحاق بها من خلال الفيسبوك وتويتر وإنستجرام وواتس أب ويوتيوب، حيث توجد هناك عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف من المشاركين والمتفاعلين مع النصوص والصور والأفلام التي توظفها الجماعات الإرهابية للوصول إلى عقول الشباب والتأثير في عواطفهم ومشاعرهم، مثل فيلم flames of war (داعش) وموقع "خلافة بوك" وتطوير تطبيقات على جوجل بلاي وألعاب الفيديو الإلكترونية وموقع Ask FM. ولا يزال خطاب التنظيم موجهاً إلى الجيل الرابع أو الخامس من المهاجرين المسلمين الشباب ويتمتع بسهولة ومرونة الحركة مع التقنية والمعلومات والتطبيقات الفنية على أجهزة الكمبيوتر والهواتف الذكية، باستغلال المقاتلين الأجانب الموجودين داخل التنظيم أكثر من المقاتلين المحليين، وهذا ما كشفته اعترافات المنشقين والمعتقلين من التنظيم بأن داعش لا يدخل الأجانب في القتال الميداني بقدر ما يستفيد منهم في الخطوط الخلفية والدعم اللوجستي وخاصة في الإعلام والدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة التي عرف كيف يستغلها لأقصى حد لمصلحته. ولقد كشفت استخبارات دول الاتحاد الأوروبي عن وجود شبكات تواصل اجتماعي متخصصة أو موجهة لاستهداف شريحة معيّنة كالنساء، تكون معنية باستهداف تجنيد النساء من أوروبا كي يلتحقن بصفوف التنظيم في سوريا والعراق وليبيا. وما يهدف إليه إعلام "داعش" هو الاستقطاب، أي استقطاب الشباب لغرض الالتحاق بالتنظيم أو أن يكونوا من أنصار التنظيم في دولهم، خصوصا في الغرب وغالبيتهم من الشباب ما بين 18 و26 سنة. وذلك لإدارة نشاطاته الإعلامية الإلكترونية لتظهر للمتابع بإنتاج ذي مواصفات وتقنية مذهلتين. وكذلك يركز التنظيم على إظهار العنف والتمرد والسطو الذي يعتبر في بعض الأحيان من الحاجات المهمة عند بعض الشباب، خاصة الذين يعانون من الشعور بالتهميش، سواء كان حقيقيا أو وهميا، حيث يجدون في التنظيم وسيلة للانتقام والثأر. الوحشية هي أبرز سمات هذه الجماعة التي فاقت القاعدة وتنظيمات أخرى بوحشيتها الدموية. من الأهداف التي يحققها الإرهاب الإلكتروني كذلك جمع الأموال. لقد استخدمت الجماعات الإرهابية مواقع التواصل الاجتماعي لتسهيل التحويلات الماليّة فيما بينها، بجانب الحصول على التبرعات المالية، في ظل سهولة استخدام تلك المواقع لتحويل التبرعات والدعم المالي، مع عدم إمكانية التحقق من هوية متلقي تلك التبرعات في بعض الأحيان. وقد اعتمد التنظيم على بعض الفتاوى التي يتم بثها من بعض الدعاة المغرر بهم على "تويتر" للتضحية بالأموال والأنفس، خاصة منذ أن انتقلت القاعدة إلى سوريا، فكانت هناك بعض التبرعات لحسابات مجهولة تحت دعاوى مساعدة الشعب السوري تصل إلى التنظيم، الأمر الذي أدى بالسلطات بعدة دول إلى التحذير من التبرع للجهات غير المصرح بها رسمياً من الدولة.