17 سبتمبر 2025
تسجيلتشكل العلاقات بين تركيا وإيران مثالا خاصا وفريدا في العلاقات الدولية.. فالبلدان يحرصان على أفضل العلاقات بينهما على الصعيد الثنائي.. وهذا امتداد لتقليد تاريخي يعود في الماضي إلى العام 1639 مع توقيع اتفاقية قصر شيرين التي رسمت الحدود بين البلدين والتي لا تزال إلى حد كبير هي القائمة حاليا.ورغم تعاقب الأنظمة في طهران وأنقرة على امتداد العقود والسنين، فإن العلاقات حافظت على توازنها وسلميتها وتفاعلها.. وفي أحلك الظروف الإقليمية التي تعني البلدين لم ينقطع التواصل والزيارات المتبادلة.. حتى حين كان البلدان يتبادلان الانتقادات لم يكن ذلك يصل إلى درجة قطع العلاقات الدبلوماسية أو وقف التبادلات التجارية.ومن بين الأسباب التي تدفع في اتجاه إقامة علاقات بناءة هي التوازن والتشابه الغريب على معظم الأصعدة من كبر حجم مساحة البلدين والموقع الإستراتيجي لكل منهما والطاقات البشرية والتقارب في الحجم السكاني والموروث التاريخي والإمبراطوري.. بحيث أدركت النخب الحاكمة في كل بلد أن أي صدام بينهما معناه جلب الدمار لكل منهما.. وتركيا كما هو معروف بوابة إيران إلى أوروبا وإيران هي بوابة تركيا إلى آسيا.. إذن توازن الرعب والحاجة المتبادلة كانت تتيح إقامة علاقات ثابتة لا تهتز بتبدل الظروف الإقليمية ولا بطبيعة السلطة الحاكمة.زيارة الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى أنقرة تقع في هذا السياق، حيث تميزت بتوافق كامل على التعاون الثنائي مع اختلاف شبه كامل على معظم المشكلات الإقليمية.الزيارة لا شك مهمة، كونها الأولى منذ 18 عاما على المستوى الرئاسي الرسمي، حيث كان الرؤساء الإيرانيون سابقا يزورون أنقرة في ما يسمى زيارة عمل أو في إطار اجتماعات لمنظمات إقليمية.الزيارة على الصعيد الثنائي كانت مميزة، إذ شهدت الاجتماع الأول للمجلس الأعلى للتعاون برئاسة روحاني ورئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان.. وهو مؤشر آخر على تنامي العلاقة الثنائية، وتم التوقيع على عشر اتفاقيات تعاون اقتصادي وسياحي وثقافي وما شابه.. ومع أن تركيا فشلت في الحصول على موافقة إيرانية لتخفيض سعر المتر المكعب من الغاز الطبيعي فإن المباحثات سوف تستمر على هذا الصعيد.أما على الصعيد الإقليمي، فإن البلدين اتفقا على التعاون لمحاربة الإرهاب من دون تحديد ماهية المنظمات الإرهابية وما إذا كان هناك توافق على تحديدها.غير أن الخلاف على طريقة مقاربة المشكلات الإقليمية بقي قائم.. إذ أن تركيا لا تزال تتعاون مع القوى المتعارضة مع الحكومة المركزية في بغداد حيث عقدت اتفاقات آحادية الجانب مع إقليم كردستان حول النفط من دون العودة إلى حكومة نوري المالكي.. كما أن أنقرة لم تبد حرصا كافيا على السيادة العراقية في أكثر من مناسبة.. وهذا بالطبع موضع خلاف مع طهران الداعمة بقوة لحكومة المالكي.كذلك أرسل روحاني إشارة واضحة إلى دعمه انتخاب عبدالفتاح السيسي رئيسا لمصر عندما دعا إلى احترام إرادة الشعب في العمليات الانتخابية في مصر كما في سوريا.. وفي حين أن تركيا لا تزال ترى في السيسي حالة انقلابية وانتخابه غير شرعي فإنها تواصل الموقف نفسه من إعادة انتخاب الرئيس السوري بشار الأسد لرئاسة الجمهورية وتصف الانتخابات التي جرت بالمهزلة..بينما كان روحاني صريحا وعلنيا في دعم الأسد والإشادة بعملية الانتخابات التي جرت وهو ما أبدى هما على وجه أردوغان عكس غضبا من موقف روحاني.مع ذلك، فإن إيران لا تزال تراهن على التحول في التحولات المتسارعة في المنطقة وخلافات تركيا مع مصر وبعض الدول الخليجية ولا سيما السعودية، من أجل الدفع لتغيير موقف تركيا من العديد من المشكلات ولا سيما في سوريا.بطبيعة الحال، إن نجاح الزيارة ليس مرتبطا فقط بتوقيع اتفاقيات، إذ أن مجرد حصول لقاءات مثمرة في جوانب كثيرة منها في زمن الغليان الطائفي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط وفي العالم الإسلامي هو رسالة إيجابية إلى ضرورة تخفيف الاحتقانات بين الدول والشعوب.