14 سبتمبر 2025
تسجيلما الذي حصل في العراق؟ كيف انهارت بهذه السرعة مدن بكاملها وتم أسر ما يقرب من 4500 ضابط وجندي عراقي؟ وهل جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وحدها من تقف خلف هذه النجاحات؟ كل الإجابات التي قدمت حتى الآن لا تعطي تفسيرا كاملا ومنطقياً. عند اختزال المشهد إعلاميا وسياسياً بداعش يعني أن أمرا ما دوليا وإقليما ومحليا يهيأ!. لا يمكن لعاقل أن يصدق أن داعش التي تحاصر دار الزور منذ ثلاثة أشهر عجزت عن دخولها بسبب مقاومات العشائر فيها وهي تخوض مواجهات يومية مع فصائل معارضة سورية تستطيع أن تجتاح مناطق كاملة في العراق وتهمين عليها خلال ساعات! لا أملك هنا إلا أن أميل إلى النظرية التي تقول إن داعش ليست سوى فصيل من فصائل عدة تكاتفت فيما بينها في العراق بعد أن زاد الانقسام السياسي وتعطلت لغة الحوار بين السنة والشيعة ونتيجة لأخطاء تراكمت منذ بدء العملية السياسية وكانت تتجه بشكل واضح إلى إقصاء السنة تماما عن الحياة السياسية. بيان هيئة علماء المسلمين التي يتزعمها الشيخ حارث الضاري وما تردد عن وجود القيادي البعثي عزت الدوري وما سرب من معلومات عن شهود عيان داخل تلك المناطق يعطي مصداقية لهذا التفسير ! لماذا حصر الصورة بتنظيم داعش واستبعاد التفسيرات الأخرى؟ الإجابة واضحة، إيران تريد إنشاء تحالف إقليمي دولي لمحاربة الإرهاب وهي تقصد حتما كل المعارضات المسلحة للنظامين السوري والعراقي، روسيا لا تختلف قيد أنملة عن الرؤية الإيرانية. دول الخليج ومصر وحفتر - ليبيا تريد أيضاً مواجهة الإرهاب مع فارق بسيط، فالأخوان هم التهديد الحقيقي ومن دونهم تفصيل، والحاجة لتحالف دولي يقضي عليهم أمر مرحب به. نفوذ الولايات المتحدة والغرب عموما في المنطقة إلى انكماش وأفوله تدريجي. وبروز الجماعات الراديكالية دينيا العابرة للحدود تطبع المشهدين الأمني والسياسي. كما أن الربيع العربي لم يخلق إلا تحولاً سار بشكل دائري في مصر وتونس واليمن وليبيا ليعود لنفس الوضع الذي ثار عليه الناس. ومن ربيع الشعوب إلى ربيع الجنرالات وأجهزة المخابرات انتهى المطاف وسط تزايد الانقسام المذهبي. أخطأت الولايات المتحدة خطأ كبيرا حين سمحت بالقضاء على الإسلام السياسي المعتدل بعد الثورات العربية،فالنظرية التي كانت تقول: تشجيع الإسلام السياسي المعتدل في الانخراط في الحياة السياسية يجفف منابع الإرهاب ويفقده الحاضنة الشعبية له، ثبت صحتها يوما بعد يوم. الأوضاع التي انتهى اليها المشهدان العراقي والسوري أوجزت لنا عدة مسلمات لا بد من أخذها بعين الاعتبار إذا ما أرادت الجهات المتنفذة تحقيق مصالحها في المنطقة: أولاً، خط النار وقوس الأزمات يتمدد من أفغانستان شمالا وصولا إلى موريتانيا غرباً وهو أن انكمش في فترة أو منطقة فما يلبث أن يعود فيتمدد. وهو لا شك بات يهدد الخارطة السياسية التي شكلتها الحقبة الاستعمارية في المنطقة.. لم تعد حلول القمعية والتشويه الإعلامي ناجعة في الحدّ من غليان الجماعات المعارضة. ومكافحة الإرهاب التي رفعتها الولايات المتحدة في عهد بوش، وتتدثّر بها النظم الإقليمية حالياً ستفشل كما فشلت واشنطن من قبل، فلا الإمكانات المتوفرة لديها ولا تاريخها يؤهلها لكسب المعركة مع الإرهاب. وتفكيرها وسلوكها وإدارتها للأزمات جزء أصيل من المشكلة وليس من الحل. السياسات الرعناء التي تمارسها النظم وتصر عليها اثبت بلا شك أن الإرهاب يتفاقم ويتعزز، وقد أصبح منظومة ثقافية واجتماعية، تجد لها حاضنات شعبية أينما يممت وجهك.ثانياً، أن المعركة ما زالت في أولها، وأن الأمور تتدحرج، وأن التأخر في الحل السوري عزز انتشار اللهيب وقد حصل. قد تشابكت الأزمات حتى تماهت فيما بينها وأصبح أزمة واحدة في اليمن وسوريا والعراق ولبنان ومصر وليبيا وتونس. ثالثا، الولايات المتحدة فشلت في القضاء على طالبان رغم أنها قاتلت إلى جانبها عشرات الدول وهي لن تستطيع مهما زينت لها النظم في المنطقة بأنها قادرة على مواجهة الإرهاب المستجد في حال وقع تحالف دولي جديد.. الحل ليس أمنيا، الحل سياسي. وقد اُجهض الحلّ السياسي مع إصرار النظم على إجهاض الديمقراطيات الوليدة بعد الثورات العربية.رابعاً، إسقاط الإخوان في المنطقة بغير الطرق الديمقراطية أعاد الروح للتيار الجهادي العابر للحدود واكسبه حاضنة شعبية، مكنته من تشكيل مجاميع مسلحة في العراق اليمن سوريا تونس المغرب ليبيا.خامساً: ضرورة الاعتراف بوجود أزمة سنية شيعية على عدة مستويات، وأن إيران وتركيا إضافة للدول العربية جميعها هم جزء من المشكلة كما أن باستطاعتهم أن يكونوا جزءاً من الحل، والحل لا يكون بانتصار طرف على آخر أو بتعميم القمع وإقصاء الأقليات الدينية والمذهبية، وإنما بترميم الرؤى والطموحات المذهبية لدى هذا الفريق أو ذاك. سادساً، الحل اليوم يبدأ من الاعتراف بالهزيمة أمام هذا الزحف المتشدد والذي ينطلق من مظلومية واضحة كرست لسنوات طوال سلبت الشعوب العربية حقوقها لصالح فئات متنفذة وأقليات نهمة مارست أبشع أنواع الإقصاء والابتزاز الديني والمذهبي.. الحل يبدأ من إعادة النظر في الأمور بعيدا عن سياسات الكيد والمحاور الضيقة، وعلى قاعدة أن الديمقراطية وتبادل السلطة ومكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي قيم لا يمكن التنازل عنها أو تعطيلها تحت أي حجة.