18 سبتمبر 2025

تسجيل

تركيا والنظام الرئاسي

14 مايو 2016

طويت مرحلة من تاريخ تركيا بتنحي رئيس حزب العدالة والتنمية والحكومة أحمد داود أوغلو من منصبيه. التنحي سوف يتم رسميا في 22 مايو الجاري في مؤتمر حزب العدالة والتنمية الذي لن يعلن داود أوغلو ترشحه فيه وبالتالي سيتم انتخاب رئيس جديد للحزب يكون تلقائيا رئيسا للحكومة بحسب العرف وليس القانون.قد يكون من المبالغة القول إن هناك مرحلة اسمها مرحلة أحمد داود أوغلو. إذ إن اسم حزب العدالة والتنمية ارتبط بأحد مؤسسيه وزعيمه منذ تأسيسه رجب طيب أردوغان. ورغم أن عبدالله غول تولى أول رئاسة حكومة في عهد العدالة والتنمية ومن ثم رئاسة الجمهورية من 2007 إلى 2014، فإن كل هذه المراحل ارتبطت باسم رجب طيب أردوغان.وعندما أصبح أردوغان رئيسا للجمهورية في أغسطس من العام 2014 استقال من حزب العدالة والتنمية وترك بطبيعة الحال رئاسة الحكومة لأن الدستور يجبر رئيس الجمهورية المنتخب على فك ارتباطه من حزب ما إذا كان ينتمي لحزب ولا يحق لرئيس الجمهورية تولي رئاسة الحكومة في نظام برلماني السلطة التنفيذية فيه للحكومة ورئيسها.وبعد انتخاب داود أوغلو رئيسا للحزب عام 2014 كان بذلك أول شخص غير أردوغان يتولى رئاسة حزب العدالة والتنمية وهذا الأمر لم يمر به حتى عبدالله غول.لذلك يمكن إطلاق فترة داود أوغلو على الوقت الذي أمضاه في الحزب والحكومة. لكن ذلك لم يكن كذلك فعليا.فانتخاب أردوغان من قبل الشعب رئيسا للجمهورية اتخذه الأخير سببا للقول إن صلاحيات رئيس جمهورية منتخب من الشعب يجب ألا تكون مثل صلاحيات رئيس جمهورية منتخب من البرلمان. وانطلاقا من هذا المبرر طالب أردوغان بتعديل النظام السياسي من برلماني ليس لرئيس الجمهورية سوى صلاحيات محدودة إلى نظام رئاسي تجمع الصلاحيات فيه بيد رئيس الجمهورية.وهذا يطلق نقاشا في الوقت نفسه حول إمكانية أن يكون رئيس الجمهورية حزبيا ورئيسا لحزب على غرار النظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية.تطلع أردوغان إلى نظام رئاسي كان تعرض لنكسة في انتخابات السابع من يونيو الماضي بعد فشل حزب العدالة والتنمية في الفوز بالأكثرية. لكن فوز الحزب في انتخابات الإعادة في الأول من نوفمبر الماضي لم يحمل لـ"أردوغان" ما يريده. إذ إن هذا الفوز لم يحقق للحزب لا أكثرية الثلثين (367 نائبا) المطلوبة لتعديل الدستور في البرلمان ولا 330 نائبا الضرورية لتحويل مقترح تعديل الدستور إلى استفتاء شعبي.وما زاد في المأزق أن سعي أردوغان لتعديل النظام إلى رئاسي لم يقابل بحماسة وحرارة من جانب رئيس الحزب والحكومة أحمد داود أوغلو الذي صرح بعد ظهور نتائج انتخابات يونيو 2015 أن الشعب لم يؤيد النظام الرئاسي.بالطبع هناك عناوين خلافية أخرى بين أردوغان وداود أوغلو لكنها لا تحجب حقيقة أن السبب الأساسي لدفع داود أوغلو إلى التنحي هو وضع أردوغان خطة لتعديل الدستور في البرلمان فإن لم يكن ذلك الذهاب إلى انتخابات مبكرة يأمل أن يحصل فيها على ثلثي المقاعد وفي أسوأ الأحوال على 330 نائبا.داود أوغلو لا يؤيد هذا السيناريو فكان الأمر بالضغط عليه للتخلي عن منصبه بطريقة تحفظ له ماء الوجه أي من دون استقالة أو إقالة أو حجب الثقة في البرلمان بل في مؤتمر للحزب بحيث يبدو خروجه من السلطة نتيجة لتغيير زعامة الحزب.أسئلة كثيرة تطرح حول حجم النجاح الذي يمكن أن تحرزه خطة أردوغان. فالمعارضة كلها ترفض الانتقال إلى نظام رئاسي فيما الانتخابات النيابية المبكرة ليست بهذه السهولة أي أن تجري ثلاثة انتخابات في غضون سنة واحدة.ومهما سيحصل من تطورات فإنه حتى في عهد داود أوغلو كانت كلمة أردوغان هي العليا في كل القضايا الأساسية. وبعد تنحي داود أوغلو فإن رئيس الحزب المقبل سيكون أكثر ليونة في العلاقة مع أردوغان. ومهما يكن فإن أردوغان يمارس الآن وباعتراف الجميع نظاما رئاسيا بقوة الفعل لا بقوة الدستور والقانون.