14 سبتمبر 2025

تسجيل

العلاقات العامة والمهنية والقيادة والأخلاق

14 مايو 2016

"لنجعل من الإبداع سبيل نجاحنا في العلاقات العامة" كان ذلك عنوان المحاضرة التي ألقاها بارت دي فرايس رئيس الجمعية الدولية للعلاقات العامة بقاعة ابن خلدون بجامعة قطر بمبادرة كريمة من فرع الجمعية الدولية بالخليج. يرى الخبير المحنك دي فرايس أن الإبداع هو الطريق إلى التفرد والاختلاف عن الآخرين والتميز والتجديد المستمر. والذي يريد أن يبدع فهو مطالب بالبحث والدراسة والاستقصاء والاستفادة من تجارب الآخرين. الإبداع يتطلب المثابرة والتحضير والتركيز والمهنية والحرفية بطبيعة الحال. إذا أسقطنا كلام الخبير على واقع العلاقات العامة في الوطن العربي نجد أن هناك عملا كبيرا في انتظار الساهرين على المهنة في مختلف الدول العربية. فالمهنة بحاجة إلى المهنية والقيادة والأخلاق، بحاجة إلى ثقافة جديدة تعتمد على الاتصال المتوازي والشفافية والنقد الذاتي واحترام الفرد والابتعاد على التسبيح والتضخيم والبهرجة الإعلامية. تواجه مهنة العلاقات العامة في الوطن العربي تحديات كبيرة جدا داخليا وخارجيا هذا من جهة ومن جهة أخرى تمر الأمة العربية بظروف صعبة من حيث الإعلام والاتصال والتشويه والتضليل والدعاية والصور النمطية والتزييف والحرب النفسية. دوليا تعاني العلاقات العامة العربية من ضعف في الأداء وقصور في الاستراتيجية وغياب في الرؤية. فالعالم العربي بعد 11 سبتمبر 2001 وُصف بكل الصفات والنعوت ووُجهت له كل الاتهامات وأصبحت كلمة العربي والمسلم مرادفة لكلمة الإرهاب والقتل والبطش والجريمة المنظمة. وهنا نلاحظ ضعف الجانب العربي في مخاطبة الآخر والتواصل معه وتسويق تلك الصورة الحقيقية والتاريخ المجيد والحضارة الإنسانية التي ما زالت تداعياتها واضحة المعالم عبر الدول والأمم. ففي عصر العولمة تبقى قوة الكلمة والصورة والمعلومة هي الفاعلة في العلاقات الدولية وفي الاتصال الدولي، لكن مع الأسف الشديد، نلاحظ أن العرب ما زالوا لم يتقنوا الاتصال والإعلام والعلاقات العامة كما يجب وحسب الأصول والاستراتيجيات الحديثة. هذا على المستوى الدولي، أما على المستوى المحلي فالمجتمع العربي بحاجة إلى علاقات عامة قوية وفعالة سواء على مستوى المجتمع أو المنظمة أو الفرد. تعتبر العلاقات العامة كعلم وفن وممارسة كما نعرفها اليوم منتج من منتجات القرن العشرين، تطورت ونمت وانتشرت بتطور الوسط الاقتصادي والإداري والسياسي والاجتماعي والثقافي الذي تعمل فيه. كانت بدايتها الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية على يد صحفيين مخضرمين اقتنعوا بأن الكثير من المشاكل التي تنشأ ما بين المنظمات وجماهيرها تعود أسبابها إلى انعدام أو ضعف الاتصال بشتى أنواعه وأشكاله. والالتباس الذي اقترن بالعلاقات العامة كان يتمثل دائما في مفهومها والنظرة إليها وكذلك تطورها عبر الدول والمجتمعات. فإذا كانت العلاقات العامة قد تطورت وانتشرت في المجتمع الأمريكي اعتبارا من الثلث الثاني من القرن العشرين فنجدها في معظم باقي دول العالم ما زالت في مراحلها الأولى وما زالت النظرة إليها كوظيفة وكعلم وكفن يشوبها الكثير من سوء الفهم والمغالطة وفي الكثير من الأحيان التبسيط والتهميش. من جهة أخرى يمكن القول إن العلاقات العامة قديمة قدم البشرية وعرفها الإنسان منذ الأزمنة القديمة. فطالما هناك ناس يعيشون مع بعضهم البعض في تجمعات بشرية، يعملون مع بعضهم البعض في منظمات ومؤسسات وتربطهم علاقات مهنية واقتصادية وبشرية ويشكلون مجتمع فهذا يعني أن هناك علاقات عامة سواء اعترفنا واقتنعنا بذلك أم لا. كما أن هذه الشبكة من العلاقات والمصالح والاتصالات تفرض وجود شكل من أشكال العلاقات العامة. فلسفة العلاقات العامة إذن تكمن في أن أي منظمة تقوم أساسا على وجود جمهور، وسبب نجاح المنظمة يرتبط بخدمة وتلبية رغبات هذا الجمهور فحتمية بقائها ووجودها واستمرارها مرهونة بقدرة تواصلها وتفاهمها مع هذا الجمهور. فنجاح المنظمة يقترن بوجود برامج وسياسات تخدم مصلحة الجمهور وتضمن موافقته ورضاه. فالوسيلة المثلى للنجاح في بناء جسور وعلاقات تفاهم بين المنظمة ومختلف جماهيرها تتمثل في إخبار وإبلاغ الجمهور والتواصل معه بمهنية وحرفية وموضوعية وشفافية. أصبحت العلاقات العامة تلعب دورا استراتيجيا في حياة المنظمة بمختلف أشكالها وأنواعها سواء كانت حكومية أو خاصة أو ربحية أو خدمية وسواء كانت تنشط في المجال الرياضي أو الثقافي أو الصناعي أو التجاري. وتكمن هذه الأهمية بالدرجة الأولى في مكانة الفرد عند المنظمة وفي المجتمع. فالفرد أصبح من حقه ومن واجبه أن يعرف ما يجري من حوله وما يجري داخل المنظمات والمؤسسات التي يتعامل معها. إضافة إلى ذلك أصبح الرأي العام يلعب دورا محوريا في المجتمع وهذا يعني ضرورة توفير المعلومة والاعتماد على هذه المعلومة في صناعة القرار. وإذا أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية كمثال نجد أن العلاقات العامة أصبحت مؤسسة بحد ذاتها وأصبحت صناعة ومهنة وتجارة تقدر عائداتها المالية بمليارات الدولارات. فهناك أكثر من 250000 ممارس ومحترف في مختلف المجالات والتخصصات، كما قدّر المتخصصون نمو صناعة العلاقات العامة في الولايات المتحدة في الفترة ما بين 1994 - 2005 بـ47% وهذا رقم كبير جدا يعكس المكانة الاستراتيجية والدور المحوري للعلاقات العامة على جميع الصعد والمستويات. كما نلاحظ وجود أكثر من 200 كلية وجامعة في الولايات المتحدة الأمريكية تدّرس برنامج البكالوريوس في العلاقات العامة وأن أكثر من 50% من الطلاب المسجلين في برامج الإعلام والاتصال الجماهيري اختاروا مسار العلاقات العامة كمجال تخصصهم. (أكثر من 60% في كلية الاتصال، جامعة قطر). المنظمة العصرية لا تستطيع الاستغناء عن العلاقات العامة كما أن المجتمع الديمقراطي لا يستطيع أن يكون ديمقراطيا ينعم بالفصل بين السلطات وبالشفافية وبصحافة قوية من دون توفير المعلومة للجميع وبدون علاقات عامة قوية وفعالة حيث إن هذا الجهاز يّيسر ويسّهل التفاهم والاتصال بين المنظمة وجماهيرها. تواجه العلاقات العامة في الوطن العربي تحديات كبيرة جدا نظرا للتطورات التي يشهدها العالم وتداعيات العولمة وانحسار العالم في قرية صغيرة لا تعرف الحدود والحواجز. هذه المعطيات كلها تتطلب وجود أجهزة علاقات عامة قوية وفعالة سواء في القطاع العام أو الخاص لأن المنظمة الحديثة بحاجة إلى مستوى عال من الاتصال والتعامل مع جماهيرها المختلفة. فالعولمة الاقتصادية تتطلب درجة عالية من الاتصال والمعلومات والتعامل مع الجماهير. إن تصاعد وتنامي أهمية الرأي العام في المجتمع وكذلك انتشار الديمقراطية ونضج المجتمع المدني وانتشار تكنولوجيا الاتصال والمعلومات كلها عوامل تفرض حاجة المنظمة المتنامية للعلاقات العامة وكذلك الحاجة إلى الاهتمام بالجمهور وبالرأي العام وهذا ما يؤدي إلى نمو وتطور العلاقات العامة وانتشارها والحاجة الماسة إليها في مختلف أنواع المنظمات (حكومية، خاصة، تجارية، سياسية، خدمية...إلخ). من جهة أخرى نلاحظ توجه المنظمة الحديثة إلى الإدارة بالأهداف التي تؤمن بالدراسة والتخطيط الاستراتيجي وبالبيانات والمعطيات العلمية لصناعة القرار حيث ضرورة التوجه نحو الإبداع والابتكار في التعامل مع المشاكل التنظيمية والإدارية وقضايا الجماهير المختلفة. فالقرن الذي نعيش فيه يفرض عولمة العلاقات العامة التي تقوم أساسا على الحرفية (Professionalism) والقيادة (Leadership) والأخلاق (Ethics).