13 سبتمبر 2025
تسجيلبصرف النظر عن البعد السياسي أو الحزبي في الحرب التي ينشط أنصار الانقلاب في مصر هذه الأيام في شنها على الاتجاه الإسلامي قضائيا وصحفيا وشعبيا فإن التحريض ضد النقاب الإسلامي (غطاء الوجه للنساء) يطرح سؤالين؛ الأول: ماهية هذه القضية وأهميتها لتستحق هذه المعركة بين الفريقين، والثاني: قوة الحجج التي يسوقونها..وأقول: أما ماهية القضية وأنها النقاب؛ فلأنهم –من وجهة نظري- يختارون قضية لها ثلاثة أبعاد كلها تصب في القيمة الإستراتيجية لحربهم على الإسلام رغم صغرها والخلاف حولها..البعد الأول: كونها مسألة خلافية لتبدو في شكل الخلاف المنطقي وهذه حنكة للتسلل والاستغفال؛ سئلت إحداهن: هل تحبين أن تري المرأة "السعودية" وقد ارتدت الجينز وحلت شعرها؟ فأجابت: المهم أن تكشف الوجه والباقي نتحدث عنه لاحقًا..البعد الثاني: أن الانتصار فيها -في ظل استصغار الكثيرين لها- ممكن؛ البعد الثالث: أن النقاب في مصر عنوان للالتزام الديني بخلاف لباس الحشمة الذي هو أقرب لمعنى العادات والتقاليد..بالتالي فهي حرب على معلم خاص بالتدين ومحاولة لإعطاء الانطباع بأن ثقافة الشعب تقليدية لا دينية. وأما أبرز حججهم للرد عليها: فقالوا (النقاب عادة لا عبادة) ويرد عليه بما جاء في الصحيح عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا إذا مر بنا الركبان –في الحج- سدلت إحدانا الجلباب على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه" فإذا علمنا أن تغطية المرأة وجهها وهي محرمة من المحظورات الشرعية بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح أيضا "لا تنتقب المرأة المحْرمة ولا تلبس القفازين" وعلمنا أنها إن خالفت ذلك لسبب غير معتبر شرعا وجب عليها الفداء كمن تخالف بالتعطر أو قص الشعر مثلا..ذلك يعني أن تغطية الوجه معتبرة شرعا ولذلك وجدنا المذاهب الأربعة مجمعة على أن النقاب واجب في زمن الفتنة، ووجدناها في كتب الفقه لا في كتب التراث. ويقولون (النقاب يقوم على نظرية التخوين الاجتماعي) وهذا من التدليس في التعبير الذي يراد منه ربط النقاب بالخيانة، فالخشية من إفساد الفساق معتبرة ومعترف بها في كل زمان ولذلك تفرض الفروض القانونية والرقابية والمحاسبية والانضباطية والأخلاقية، ولذلك أيضا تصنع أقفال الأبواب وستائر النوافذ؛ ففي الناس من يخون وفيهم من يخالف وفيهم من هو مريض القلب! فهل يقال هي تشريعات وتقنينات تقوم على التخوين الاجتماعي؟ ويقولون (النقاب يتجاوز تغطية الوجه إلى تغطية العقل) وهذا هو الكذب عينه؛ فالعقلاء يعرفون أنه لا علاقة لغطاء الوجه بالقدرة على فهم الآخر والتفاعل المهني والعلمي والعملي والإبداعي الجاد معه؟ بل إن المنتقبات الملتزمات هن الأكثر تفوقا والأحسن أداء وإبداعا في كثير من بيئات العمل والسلوك المهني..اللهم إلا أن يكون مقصودهم تواصلا بين امرأة ورجل لإقامة علاقات الإعجاب والاستدراج في خطوات الشيطان والاستغلال..فعند ذلك لا تلام المنتقبة الممتنعة ولكن يلام القاصد الخبيث والمقصود الرديء. ويقولون (النقاب مشكلة أمنية واجتماعية) ويرد عليهم بأن النقاب ليس كذلك في بلاد أخرى لا تكاد تخرج فيها المرأة إلا منتقبة كالسعودية والباكستان وحتى في مصر ذاتها قبل الانقلاب..فالحقيقة أن المشكلات الأمنية متجسدة في الانقلاب ذاته وما جر من مظالم ومفاسد واستبداد، وما الزّجّ بالنقاب في مفهوم الإرهاب إلا مقصود خبيث وهو كربط المقاومة وصلاة الجماعة والتطهر من الرشوة ومن الربا ومظاهر التدين والالتزام به؛ فإن قصدوا أن النقاب وسيلة لإخفاء ملامح الوجه إذن فعليهم أن يمنعوا سلسلة طويلة من تقنيات إخفاء الملامح التي لا تقف عند هذه الوسيلة.ويقولون (التزام المرأة بالنقاب يعبر عن متلازمة احتقار الذات) وهو من الكذب والظلم؛ أما الصحيح والمشاهد فهو أن شخصية المرأة المحجبة والمنتقبة أكثر صرامة واعتدادا من شخصية السافرة المتكشفة ولذلك نجد الفساق والفجرة لا يجرؤون على القرب منها أو التلميح لها. آخر القول..كل نظام فاسد فاجر كان يبدأ دائما عهده بمهاجمة النقاب والحجاب ومظاهر التدين وجماعات الدعوة إلى الله..لكنها معركة لم ينتصروا فيها من قبل وبالقطع لن ينتصروا فيها من بعد.