18 سبتمبر 2025

تسجيل

هل أخطأت الثورة؟

14 أبريل 2013

طبيب الأسنان الشاطر لا يلجأ إلى خلع الضرس إلا بعد التأكد التام بأن بقائه أكبر ضرراً من شلعهَ حتى لو سالت بعض الدماء وصاحب الخلع بعض الألم والأنين. فهكذا كان طبيب الأسنان علاء الأسواني الذي فاقت شهرته ككاتب روائي يدنو نحو قمة العالمية بجملة من المنجزات الأدبية الرائعة والجوائز المتنوعة من مراكز مرموقة حول العلم فقد تلقفت الثقافات العالمية ولغاتها إصداراته مابين يعقوبيان وشيكاغو وغيرهما ليعرفه العالم وبشكل واسع كاتباً حاداً في غالب أطروحاته متجاوزاً شهرة عيادته الطبية للأسنان في "جاردن ستي " فقد وظف خبرة طب الأسنان ومهارة خلعها في مناهضة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك ولكن بالقلم وليس بعدة مهنته الأم موظفاً هموم الشارع المصري بأسلوب استثنائي في مجمل رواياته ومقالاته فكان حاضراً ببنيته الضخمة وأدبياته ضمن حركة كفاية ثم ضمن أوائل الممتعضين من النظام السابق يرص الصفوف ويتراص معها في ميدان التحرير ويغذي فكر الثورة بسلسلة مقالاته الصحفية وتغريداته المستمرة في تويتر فهي معركة مصير له ولمحبوبته مصر محبوبة الجميع من مصريين وعرب وربما كل العالم لذلك توزع معطيات المعركة بين ربح وخسارة سوى أن الأسواني يظل من الطرف الرابح الذي استمال نحوه المعجبين لما حققته إصداراته من انتشار واسع في مصر وخارجها. ومع هذا الحجم من الأرباح التي جناها الدكتور علاء وينطبق عليها قول المتنبي الذي راح مثلاً " مصائب قوم عند قوم فوائد " تظل هناك جملة من المواجع وعدم التطمينات التي يواجه بها الأسواني قراءه حين يطرح تساؤله الكبير المتمثل في عنوان مقالته " هل أخطأت الثورة المصرية؟ " والذي صار عنواناً لسلسلة مقالاته الصادرة في كتاب يحمل نفس العنوان حيث لا يكتفي بمجرد الوصف بل يُبرز حيثيات خطأ الثورة في استمرارية الاعتماد على شخصيات النظام السابق لتسيير أمور البلاد في مرحلة ما بعد الثورة والتحشيد المكثف نحو العمل على إقصاء كل من ارتبط مع نظام مبارك دون أن يعطي الرجل وهو الطبيب المخضرم وصفات علاج ناجع لمستوى الألم وعمومه الشائع الآن في الشارع المصري ومؤسساته ومجمل تكوينه المعقد بجملة ثقافات وإيديولوجيات منوعة. فيبدو أن حالة اشتهاء الخلع دون معالجة ما يمكن استحوذت على مهمة الأسواني وفكره فعمم الخلع على الجميع دون أن يحتاط لكل التبعات التي حولت مصر إلى ساحة واسعة للفوضى الأمنية والمواجهات المقيتة بين مكوناتها والتدهور الاقتصادي المخيف الذي يقودها إلى حافة الإفلاس حتى مع جهود الدعم العربي والعالمي لخزينتها. وحيث يستهويني استحضار علاء الأسواني للتعليقات العالمية في كتاباته واستشهاده بها كما في صدر مقالته المشار إليها أعلاه حين عرض للقراء جواب الممثل الأمريكي" جورج كارلين " على سؤال كيفية النجاة من حالة سقوط طائرة في البحر. فقد كان استشهاد الأسواني مختزلاً في عبارة " ياروح ما بعدك روح " كما يقول إخواننا المصريين فالمهم النجاة ولكن لو عممنا الفكرة عطفا على شعور الكاتب وحضوره في مخيال غالبية المصريين كرجل محب للوطن وساع لنجاته من الأزمة فهنا يستوجب علينا أن نُذكر أن اجترار الماضي ومحاربة رموزه بالقسوة والإقصاء لن تضيف للحاضر ولا للمستقبل المزيد من الفوائد. بل المطلوب هو النهوض بالفكر لتجاوز المرحلة نحو ما يحقق أهداف الثورة في تعميم الأمن والرخاء لعموم المصريين دون التضييق عليهم أكثر والعودة بهم إلى هموم ومعاناة وحاجات المربع الأول والانشغال المكثف بالمحاسبة والإقصاء كذلك العودة بمصر إلى واجهة الصدارة للأمة وقضاياها. وهذا لن يتأتى إلا ببث روح التسامح والتعاون بين الجميع دون الإيغال في المحاسبة ونبش الماضي على حساب أمن الناس وحاجاتهم. حفظ الله مصر.