18 سبتمبر 2025
تسجيلمنذ الغزو الأمريكي للعراق وسيناريو تقسيم المنطقة على أسس مذهبية وإثنية بات على كل لسان. لم يخيّب الأمريكيون الظن عندما دفعوا العراق إلى صيغة الفدرالية: كردية في الشمال وعربية في ما تبقى من أراض. ولم يكتفوا بذلك فالمخطط يطال كل المنطقة وها هي سوريا تشكل التحدي الأكبر حاضرا. الفوضى في سوريا لن تجنّب أحدا. كل الأتراك يقولون ذلك وكل العرب. ومع ذلك يذهبون جميعا كما لو أنهم يتلذذون بتعذيب الذات والانخراط في المؤامرات التي لا تنتهي. تصريحان خطيران ربما يكونان من أهم ما صدر مؤخرا. الأول من جانب رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني الذي هدد بإعلان استقلال الدولة الكردية في شمال العراق والثاني من جانب صلاح الدين ديميرطاش رئيس حزب السلام والديموقراطية الكردي في تركيا والذي ينظر إليه على أنه الذراع السياسية لحزب العمال الكردستاني. قال ديميرطاش إن انفلات الوضع في سوريا يعني إقامة حكم ذاتي في المنطقة الكردية في سوريا وهي ستشكل مع كردستان العراق وكردستان إيران الحدود الجنوبية لتركيا.أي أن تركيا ستكون محاطة جنوبا بكردستان. ديميرطاش يطالب إما بمساواة الجميع في كل الحقوق والواجبات في تركيا. أي للكردي ما للتركي وعليه ما عليه وإما اعتماد صيغة الحكم الذاتي عبر تقسيم تركيا إلى عشرين إقليما على الأقل منها الإقليم الكردي. وإذا لم يوافق الآخرون على هذه الصيغة يمكن حينها الاكتفاء بمنح الأكراد حكما ذاتيا دون غيرهم. لا تستقيم كردستان السورية والعراقية والإيرانية من دون كردستان التركية. هذا واضح من كلام ديميرطاش عبر تعميمه الكلام على "كردستان" فقط. وبالتالي يضع ديميرطاش تركيا بين خيارين إما إقامة حكم مركزي قوي في دمشق يمنع خطر التقسيم وهذا قد لا يوفّره سوى النظام السوري الحالي مع بعض الإصلاحات وإما مواجهة خطر تقسيم سوريا والدولة الكردية الواحدة من إربيل إلى سوريا وما يعنيه ذلك من "هلال كردي" يضم بين ظهرانيه حتما كردستان تركيا. لا يشكل كلام ديميرطاش تطورا دراماتيكيا في القضية الكردية في المنطقة لكنه معطوفا على تهديدات البرزاني بإعلان الدولة الكردية المستقلة سيكون رسالة بالغة الخطورة على سياسات تركيا التي سترى فجأة أنها ستتعامل مع واقع كردي جديد اسمه دولة كردية مستقلة هي عمليا قائمة ولا ينقص سوى إعلانها من دون أي قدرة لنظام بغداد في مواجهتها أو منعها لا سياسيا ولا عسكريا. كذلك لن يكون في قدرة أنقرة فعل أي شيء خصوصا أنها تعكس حق تقرير المصير لمجموعة إثنية خارج أراضيها ولا حق لها بالتدخل. تماما كما ليس من حق أحد التدخل في الشأن الداخلي التركي كما في شؤون أي دولة في المنطقة. لكن كل هذا هو"من حيث المبدأ"،لأن التاريخ لا يعترف سوى بموازين القوى. تمر المنطقة لا شك بواحدة من أخطر مراحلها. وزير الخارجية التركي السابق شكري سينا غولير يقول إنه للمرة الأولى يطل الصراع السني الشيعي برأسه على هذا النحو منذ الصراع بين العثمانيين والصفويين. والأمر نفسه يتعلق بمخاطر المسألة الكردية منتقدا موقف الحكومة التركية من التدخل في الشأن الداخلي السوري في قضية لا تشكل خطرا على الأمن القومي التركي. ويقول إن تورط تركيا في قضايا الآخرين لا يجب أن يبلغ حد الإعلان أن مصير القدس هو مثل مصير إسطنبول أو أن مصير سراييفو هو من مصير أنقرة قائلا إن مثل هذه السياسة تعقد الحلول وتجذّر المشكلات. إن جانبا مهما من مستقبل المنطقة يرسم بيد تركيا وبقدر ما تكون تركيا على مسافة واحدة من الجميع تكون قادرة على ضبط الإيقاع بما فيه مصلحة جميع شعوب المنطقة. وخلاف ذلك تكون أنقرة القوية والقادرة تلعب بنار التوازنات والحساسيات ومنها الحساسية القومية الكردية التي في الأساس تعيش منذ تسعين عاما في نار مشتعلة بدأها أتاتورك ولم ينجح بعد رجب طيب أردوغان في إطفائها لا في داخل تركيا ولا في محيطها المشرقي. لذلك تبدو الحاجة ملحة للغاية لتفادي الكارثة في المنطقة العربية والإسلامية والمستفيد الوحيد منها إسرائيل والغرب وعلى تركيا المسؤولية الأكبر في هذا الأمر.