15 سبتمبر 2025

تسجيل

رؤية أخرى للمصالحة الفلسطينية .. أو ما لا تقوله فتح وحماس

14 أبريل 2011

 الكثيرون يعتقدون أن الانقسام الفلسطيني صار أثبت في الوجدان الفصائلي وعلى أرض الواقع من الاحتلال نفسه ، وأن إنهاء الانقسام صار أبعد وأعسر وأوعر من إنهاء الاحتلال .. ذلك الاعتقاد توطد وتدعم في ظل عدم القدرة على إنهاء الانقسام الفلسطيني دون إلغاء أحد الطرفين – حماس وفتح - لبرنامج الآخر أو للآخر ذاته ، وفي ظل عدم وجود الظروف الموضوعية لفرض جهة ما فلسطينية أو عربية أو غيرها بالقوة إنهاء لهذا الانقسام ، وفي ظل وجود هوة حقيقية بين الطرفين تتسع باستمرار وتمتلئ – للأسف – بعدم الثقة والتعديات ، والعدو يستغل وإلى المدى الأبعد كل ذلك ويوظفه عبر أدوات كثيرة في إضعاف وهدر كل مكونات القضية من شعب وحقوق ومشروع تحرير .. في ظل كل ذلك يتطلع الشعب الفلسطيني وقواه السياسية ( ومن كل الأطياف والألوان والاختيارات ) إلى كل دعوة لإنهاء الانقسام على أنها بارقة أمل جدية .. لكنها – للأسف - سرعان ما تتبدد عندما يتدخل شيطان التفاصيل وسوء الظن والاشتراطات بعد أول تصريح مؤمل لكل طرف فيعود التصعيد والتوتير من جديد .. وثمة أشخاص بأعيانهم يتحركون دائما في مثل هذا الوقت ( وهم في فتح وفي أجهزة أمنها تحديدا ) للقيام بالعمل البائس ذاته .. ذلك يعني أن يبحث الجميع ( الطرفان ) عن مخرج لن ينجح ما لم تتوفر فيه جملة اعتبارات .. يجب أن تكون إبداعية وفيها من اعتراف كل طرف بالآخر بقدر ما في الانقسام من دهاء وخبث وقدرة نوعية للعدو على صنعه وإدامته واستغلاله وتوظيفه .. وأقول : حتى ينجح مشروع إنهاء الانقسام وحتى يبقى لابد أن تتوفر فيه جملة أسس لابد أن تتقرر بكل موضوعية وبالتساوي في تحميل المسؤولية بين الطرفين ( مع أن الوقائع والحقائق تثبت أنهما ليسا متساويين سواء في التسبب بالانقسام وفي السعي لإنهائه .. لكن لنتجاوز ما قد يفهم انحيازا مخلا بأصل الفكرة ) وأقول : إن أهم هذه الأسس التي يجب أن يقوم عليها مشروع إنهاء الانقسام هي : 1- قناعة كل طرف بحاجته هو لإنهاء الانقسام ؛ وعدم قصر النظر على حاجة الآخرين له ، بعيدا عن أوهام الاستغناء والاستقواء وبعيدا عن المغامرة وعن سياسة عض الأصابع ، وفي هذه الحالة يجدر بكا طرف أن يسترجع إخفاقات مشروعه أولا وتضرره من الانقسام ثانيا ثم قدرته بالوحدة على تجاوز كل هذه التعثرات ثالثا وتاليا 2- استعادة وبناء ثقة حقيقية ومتصاعدة يوما بيوم وساعة بساعة بين الطرفين وأن يغرس كل طرف في وجدان الآخر أنه حريص على المصالحة بعيدا عن المناورات والرسائل البعيدة والقريبة والدورانات خارج فلك الوحدة الوطنية ، وفي هذه الحالة لا يعود للاعتقالات السياسية وعزل الآخر والدس عليه والطعن تحت الحزام والتآمر ضده والتحالف مع خصومه وتوظيف الإعلام في الحرب عليه إلا معنى واحد هو تخريب الثقة ، وفي هذه الحالة أيضا يصير تقديم فعل إيجابي ومتسامح مع الطرف الآخر أولوية ويصبح رهن ذلك بخطوات مقابلة ليس أولوية بل ليس مقبولا ، وفي هذه الحالة أيضا يحسن بكل فريق أن يعلي خطاب الوحدة بقدر ما يعلي خطاب الثبات على الثوابت وحماية الأوابد الوطنية 3- اعتراف كل فريق بالآخر وببرنامجه وبظروفه والتزاماته ومتطلبات جمهوره ، وتوفير مساحة مناسبة لتحركه ضمن هذا الإطار ، وفي هذه الحالة يجدر فسح المجال الإعلامي والسياسي له بقدر ما على الآخر أن لا يستغل المساحات والفسح الزمانية والمكانية والموضوعية في تعلية برنامجه على الآخر .. وليس يمنع هنا أن يستمر في قناعاته ودعاياته لنفسه ولبرنامجه .. 4- قناعة كل فريق بأن برنامجه ( التسوية بالنسبة لفتح ، والمقاومة بالنسبة لحماس ) لا يستطيع أن ينجز التحرير الوطني منفردا ولا يستطيع السداد مبتعدا عن الآخر .. يؤكد ذلك الواقع الفلسطينيي والعربي والدولي والحقائق على الأرض ومسيرة تسوية عمرها عشرون سنة فوق الأرض وعشرون أخرى مثلها تحت الأرض ، كما يؤكده الموقف الأخير للمقاومة التي طرحت شعار تهدئة مقابل تهدئة ( وليس لهذا تقوم المقاومات ولا به ينجز التحرير !! ) هذا لا يعني تمييع القناعات ولا التخلي عن المحددات ولكن يعني الاعتراف بالآخر الوطني وبحقه في تثبيت رؤيته بالتساوي والتوازي مع الذات ويعني أن يرضى كل طرف للآخر ما يرضاه لنفسه .. وهذا قمة الإنصاف من الذات وليس هو من التردد أو التميع في شيء 5- تحويل الخلاف بين الطرفين من تناقضي إلى تنوعي وتكاملي ، بمعنى أن تتيقن فتح من حاجتها لحماس وللمقاومة ولسقوفها العالية ، وأن تتيقن حماس كذلك من عدم قدرتها منفردة على تسيير الحياة اليومية للشعب الفلسطيني الذي تحت يدها ولا على إطلاق مقاومة للشعب الفلسطيني الذي تحت يد فتح والاحتلال المباشر في الضفة ، هنا الكلام والأفكار لابد أن تتجاوز الشعارات وهنا أيضا يتطلب قيادات فذة وكاريزمية تبرر ما سيبدو تحولات ، وهنا أيضا تطلب الحصافة من الطرفين لتصدير المواقف ( التكاملية ) على أنها اعتراف بالآخر واحترام للقيم الوطنية وللديموقراطية .. ليس مطلوبا بهذا الصدد من فتح ولا من حماس أن تخسر إحداهما المساحات التي تملكها أو تجيد العمل فيها فلحركة فتح ما تجيده ولها قنواتها ولها ما تحتاج فيه لحماس وما توفره المقاومة لها من هوامش مناورة وضغط على العدو ومن خطوط رجعة عند اللزوم .. كذا لحماس مصلحة في تواصلات حركة فتح وزخمها الرسمي وما تملكه من قدرة على تخفيض وتيرة العدوان عند اللزوم وعندما تريد ذلك فعليا .. وكل ما تريده فتح وحماس يجب أن يبقى فقط في إطار دعم هذا المشروع الوحدوي الذي أسميناه ( الخلاف التكاملي ) . بقى أن نقول : إن كلا من فتح وحماس - من وجهة نظري الاستقرائية والتحليلية على الأقل - لديه الاستعداد للانخراط في مشروع من هذا القبيل أو لنقل لديه الوعي بقيمته وهو أمر مفهوم في العمل السياسي والوطني وهم يرون العدو كيف استطاع ( منذ أنشئ كيانه الإرهابي ) الجمع بين الديموقراطية والإرهاب ، وبين اليهودية والعلمانية ، وبين مشروع التسوية والعدوان العسكري الدموي .. فلماذا يمكن ذلك لدى اليهود والصهاينة شذاذ الآفاق ؛ ولا يمكن بين الذين قال الله تعالى فيهم ( كنتم خير أمة أخرجت للناس ) والذين تقرر في قرآنهم قوله تعالى ( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) ؟ قلت : كلتا الحركتين تؤمن بما أقول وإن لم تفصح عنه .. ربما لأن الطروحات غير جدية ولأن الثقة بينهما مهتزة بل مهدمة : وهذه فتح التقت مع اليسار الفلسطيني - وإن على عوائد مختلفة - وتلك حماس أعطت لمنظمة التحرير بل لعباس شخصيا تفويضا بالتفاوض وإبرام الاتفاقيات - وإن بقيود وشروط - . جدير التذكير والتأكيد على أن الانتخابات الفلسطينية التي يدعو إليها عباس ليست هي الحل حتى لو كانت مثالا في النزاهة والشفافية – وهو أمر مستبعد بل مقطوع باستحالته – والسبب بسيط هو : أن الخلاف لم يبدأ بالانتخابات السابقة وبالتالي فلن ينتهي بها ، فكيف إذا كانت انتخابات تقوم على التوريط والاستئثار ؛ بمعنى أن من يفوز سيأخذ الجمل بما حمل ، فإن فازت حماس تورطت بحمل أكبر من كل قدراتها وتكبدت حصارا أعمق وأشد فتكا من كل ما مرت به ، وإن فازت فتح استأثرت بالحكم كله وعزلت حماس وقهرتها وأوقفت المقاومة وكشفت ظهر حماس ، أيضا ليس الحل وإنهاء الانقسام بتوحيد المشروعين لا على المقاومة كما تطلب حماس وهو ليس بمقدور فتح ، ولا على التسوية ووضع الشعب الفلسطيني كله رهين المراد الصهيوني كما تطلب فتح أو يطلب منها العالم .. آخر القول : هي إذن سياسة أو اتفاق لتوزيع الأدوار ، وهي محاولة للجمع المنطقي بين موقفي كل من حماس وفتح دون خسارة مميزات أحدهما ، وهي إذن قتال على جبهة التسوية ومن ورائها عالم طاغ لا يقبل بغير التسوية ، وجبهة المقاومة ومن ورائها منجزات وميراث عز وقانون إلهي وإنساني ودولي يبررها ومن ورائها أيضا تغيرات كثيرة جارية من حول فلسطين ومقاومتها تؤمل بمستقبل كبير وواعد .. فهل سنمسك لمرة وللأبد بزمام الأمور أم سنبقى ندور في اجترار التمنيات كما يدور .. بالرحى ؟