15 سبتمبر 2025
تسجيلليس غريباً أن يتحدث القرآن عن اليهود مطولاً في سورة البقرة، التي نزلت معظم آياتها بالمدينة المنورة، والحديث عنهم بتفاصيل وحوادث ووقائع وقصص بعد عشر سنوات من بدء نزول القرآن، وكشف طبائعهم وأساليب تعاملهم مع أنبيائهم بل مع الله تعالى، إنما لسبب وجيه هو محور حديثنا اليوم. المسلمون لم يكن يهمهم وهم مستضعفون في مكة، سوى كيفية الثبات على دينهم الجديد، ولذلك تلاحظ أن معظم الآيات المكية كانت تصب في هذه الناحية. تثبيت العقيدة وتقوية الإيمان بالله والصبر على الأذى، مع ما لذلك من جزاء طيب بالآخرة. هكذا كان وضعهم طيلة عقد من الزمان. حتى إذا ما هاجر جُلّهم إلى المدينة هرباً من بطش وقسوة ووحشية النظام الحاكم في مكة، بعد أن تركوا خلفهم كل ما يملكون، وصاروا بعد ذلك في حكم ما نسميهم اليوم بطالبي اللجوء السياسي، وما استدعى ذلك إلى مشاركة شعب آخر في معاشه وحياته ونظامه، بدأت الآيات المدنية تتنزل وفيها تفاصيل كثيرة تنظم شؤون حياتهم، كان المهاجرون بحاجة ماسة إليها أكثر من الأنصار الكرام. أهم ما نريد تأملها ونحن في شهر التأمل والتدبر، هي تلك التفاصيل التي تحدث عنها القرآن في سورة البقرة والمتعلقة بالبيئة الجديدة للمهاجرين، وتعريفهم بشعب تلك البيئة، حيث التنوع البشري والعقدي والفكري الذي كان قائماً آنذاك بالمدينة المنورة، وكيفية التعامل معها، والدولة المسلمة تسير خطواتها الأولى، ولم يشتد عودها بعد. بيئة المسلمين الجديدة لاحظ معي أن سورة البقرة منذ بدايتها وهي تتحدث عن ثلاثة مكونات أساسية في بيئة المدينة المنورة. المؤمنون، وهم الفئة الأولى التي لم يتحدث القرآن عنها إلا قليلا، ثم يتوسع في الحديث عن فئة جديدة ظهرت بالمدينة مع استقرار المقام للمهاجرين أو اللاجئين السياسيين، وهي فئة المنافقين التي لم تستدع الظروف المكية أن تظهر، حيث لم تكن للإسلام دولة تستدعي منافقتها، لكن اختلف الوضع بالمدينة فظهرت فئة المنافقين التي أعلنت إسلامها في العلن، وأخفت ما في قلبها من بغض وكراهية شديدة للمسلمين. ثم أفاض القرآن كثيراً في الحديث عن الفئة الخطرة آنذاك، بل ستكون هي الفئة الأخطر للمكون المسلم في كل زمان ومكان، وبالتالي استدعى الأمر بيان الكثير من التفاصيل لذلك الجيل وبقية الأجيال المسلمة القادمة إلى آخر الدهر. بنو قريظة والنضير وقينقاع وخيبر، قبائل يهودية استوطنت المدينة، وتفوقت على العرب الأميين في علوم كانوا يتفاخرون بها على العرب، منها علمهم بخبر نبي آخر الزمان، وقد كانوا يأملون، أو بعضهم كان يتوقع أن يكون هذا النبي منهم، حتى إذا كان عربياً قرشياً من بني هاشم، أعلنت تلك القبائل عن وجهها القبيح سريعاً وبدأت بالعداوة، الظاهرة منها والباطنة، وكفرت بما أنزل الله على نبينا الكريم - صلى الله عليه وسلم - فكانوا أول كافر به، رغم علمهم بمجيئه. القرآن يكشف حقيقة اليهود بدأت سورة البقرة في ذكر قصص بني إسرائيل، وكأنما تخاطب يهود المدينة وتذكرهم بما كان عليه أسلافهم مع نبي الله موسى وغيره من الأنبياء، وتذكرهم بقصصهم المتنوعة في الخباثة والتحايل والخداع، واستمرارهم في نقض العهود والمواثيق مرة بعد أخرى، رغم كثرة الابتلاءات والمصائب التي حلت بهم بما كسبت أيديهم، فما كانوا يقومون من عثرة حتى يقعوا في حفرة، وهكذا لم تكن تنفعهم كل تلك الكوارث وتكون رادعاً وسبباً في تغيير طبائعهم جيلاً بعد جيل. العداء الذي أظهره اليهود للجماعة المسلمة منذ تلك الأيام حتى يوم الناس هذا، يختلف عن عداوات كل الأمم الأخرى للإسلام والمسلمين. حيث تجد الحقد والحسد والكراهية متأصلة ومتجذرة فيهم، بل يبدو أنه تم توارثها جيلاً بعد جيل حتى اليوم. فما يجري في غزة مثلاً، لا يختلف عما حاكه يهود بني النضير ضد النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - أو خيانة بني قريظة للمسلمين ومن قبلهم قينقاع حتى خيبر. يهود الأمس هم يهود اليوم وقد ظهروا في صورة عصرية وقد ازدادوا بعداً عن شريعة موسى، بل كل شرائع السماء، كما كان أسلافهم بالمدينة أو قبل ذلك بقرون عدة، فصاروا صهاينة، لا لهم في الأديان ولا الأخلاق ولا القيم، بل ازدادت عداوتهم ووحشيتهم وإجرامهم ضد الجماعة المسلمة في غزة، وفي خططهم النيل من كل مسلم أينما كان، إن استطاعوا. لذلك تجد أن كثرة الحديث عن بني إسرائيل في القرآن، ما هو إلا لتتنبه الجماعة المسلمة في كل عصر إلى خطورة هذه الفئة الحقودة من البشر مهما تغيرت صورهم وأفكارهم، فهم مع هذه الأمة من سيئ إلى أسوأ. وإن من الحماقة والسذاجة أن يأمنهم أحد من هذه الأمة، فإن كان نبيهم العظيم موسى عليه السلام لم يسلم منهم ومن خبثهم وطبيعتهم غير السوية، فهل مع غيره أفضل حالاً؟. بنو النضير من جديد ما يجري في غزة هو طبق الأصل مما خطط له زعماء بني النضير ومن بعدهم بني قريظة ضد الجماعة المسلمة في المدينة. إنهم على الدرب نفسه والفكر ذاته. هدفهم استئصال شأفة المسلمين وإبادة خضرائهم. إنهم اليوم مستمرون في مشروع الإبادة الجماعية ضد غزة، التي تعتبر أوضح وأشرس مقاومة سنية ضد مشاريعهم، وذلك بمسح عمرانها والتخطيط لإعادة احتلالها بمعية أمريكية غربية وبعض منافقي العرب. إنهم يقتلون ويأسرون وينهبون باسم التوراة المحرفة. لا فرق عندهم بين الأطفال والنساء وكبار السن. الكل سواء في الذبح والتصفية. ولذلك يمكن القول بأن هذا الاحتلال المجرم، هو إعادة لسيناريو قصص بني النضير وقريظة مع المسلمين من جديد. أمثال هؤلاء، وطبيعتهم قد كشفها الله للأمة منذ بداية قيامها، لا يجب أن يتم التعامل معهم بلين أو سياسة، وإضاعة الوقت في مفاوضات عبثية لاهثة ومستنزفة للجهود والأوقات، في رحلات مكوكية بين عواصم عربية وغربية، فيما جيشهم الجبان المدعوم أمريكيا وغربياً، يدمر الأحياء بمن فيها من بشر وشجر، ومن ثم يقوم برصف الطرقات المؤدية للمخطط الأمريكي الخبيث المتمثل في بناء ميناء في غزة تحت غطاء المساعدات الإنسانية، وهي في الحقيقة ليست سوى تهيئة الأرضية المناسبة لتهجير من بقي حياً في غزة نحو الخارج، تمهيداً لاحتلال الجزء المقابل للميناء، أو شمال القطاع الذي سيكون ضمن مشروع أكبر هو الاستيلاء على منابع غاز غزة، التي سالت لها لعاب شركات دولية عديدة. لقد ظهرت تقارير كثيرة تفيد بأن دولة الاحتلال المجرمة كانت تخطط لوضع يدها على خيرات المسلمين تلك، فانكشفت أمور كانت خافية مستترة بسبب طوفان الأقصى، الذي فضح كل تلك المخططات وكشف عن وجوه المجرمين الدوليين، من أعراب وأعاجم، ورومان وهندوس وغيرهم من المتعاونين مع يهود بني قريظة والنضير، نتنياهو وبن غفير وغيرهم، الذين لم يظهر لهم من يعاملهم المعاملة المستحقة، كما لقي سلفهم بالأمس، حُيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما، وهي المعاملة المفقودة اليوم للأسف. إن إيماننا ويقيننا بالله، رغم كل هذه الصور القاتمة الحالية، أنه سبحانه لن يضيع أجر المجاهدين، وأن المكر السيئ، كما قرر سبحانه، لا يحيق إلا بأهله، وما أكثر الماكرين واللئام حولنا! وحسبنا الله ونعم الوكيل.