11 سبتمبر 2025

تسجيل

القرن الــ21 بين الصفقة والصرخة

14 مارس 2019

تهلل ويتهلل الناس بالقرن الحادي والعشرين، ويستبشرون بقدومه ودخوله، وتنافس المتنافسون حول استقباله والترحيب به، والاستعداد له لعلهم يعرفونه ويتكيفون ويتأقلمون معه، وكان كل واحد منا قبل حلوله يسأل صاحبه وقرينه وأخاه، ماذا أعددت للألفية الثالثة؟ وكيف ستستقبلها؟ وكيف ستكون الحياة والروتين في ظلها؟ وأسئلة كثيرة تدل على الفرحة والبهجة بقدوم الزائر الجديد والشوق لاستقباله. واستبشر العرب كغيرهم بقدوم الزائر الزمني الجديد، ولكن للأسف كان هذا الزائر ثقيلا سفيها لم يراع حرمة ولا عرفا ولا أخلاقا، ولا دينا. ولذا، فلم يتم الاستبشار، ولم تكتمل الفرحة، فواجه العربُ والمسلمون مآسي وكوارث ومحناً وحروباً كثيرة، وانقسامات وتشتيتاً وتشرذماً في وحدتهم وكيانهم وهويتهم العربية الإسلامية. وبناءً عليه، فلم يكن للعرب والمسلمين أي نصيب من الفرحة والبهجة بالقرن، بل كان القرن بحداثته وجدته وأحداثه وبالا عليهم، فقد بدأ منذ دخوله بسنته الأولى شديدا عنيفا قاسيا عليهم، فشُنت عليهم الحملات العدائية الإعلامية والسياسية والعسكرية، وفتحت عليهم نيران الحروب بحجة وبغير حجة، فمرة بحجة الانتقام من منفذي أحداث 11 سبتمبر 2001 المفتعلة، والمخطط لها بطريقة محنكة محكمة تتوافق مع ثقافة العداء لأمريكا والانتقام منها مما سهل عملية إيقاع المُستهدَف بالإيقاع، ودفعه طواعية إلى الاعتراف بالجرم المشهود تفاخرا واعتزازا من مبدأ العزة بالإثم. ومرة أخرى بحجة أسلحة الدمار الشامل التي لم يُعثر لوجودها على أثر في العراق، ومرة ثالثة بحجة الإرهاب، وأخرى بحجة حماية الأمن القومي الأمريكي وغيرها من الحجج الواهية التي تفتقر إلى أبسط مبادئ المنطق والعقلانية، وليس لها في الواقع أصل ولا فصل. وكل ذلك من أجل تبرير العدوان، وشن الحروب الطاحنة، وإشاعة الفوضى الخلاقة في المنطقة العربية والإسلامية، وصناعة الإرهاب العربي الإسلامي ومكافحته في منطقة الشرق الأوسط، وتأسيس تنظيمات إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ومحاربتها، وتدمير ما ينبغي تدميره من قوة عسكرية وبنية تحتية، وكل ما في العالم العربي من حجر وشجر وبشر. وذلك لإعادة ترتيب المنطقة وفقا لأجندة الغرب وأمريكا والصهيونية العالمية. وما أحداث 11 سبتمبر 2001 الناجمة عن طبخة أعدت للقرن إلا صاعقة كارثية تم توظيفها لتكون حجة دامغة، ومبرراً قوياً لجني الثمار بغزو أفغانستان وتدميرها أولا، والعراق وتدميره وتفكيكه ثانيا، وإشاعة الفوضى والدمار في أرجائه وفي المنطقة العربية ككل، وتهيئة الأجواء السياسية والأيديولوجية لثورات الربيع العربي العشوائية غير المنظمة، والثورات الاستبدادية المضادة في المقابل تجسيدا لفكرة الفوضى الخلاقة، والعمل على التآمر والتقسيم والتهيئة الإيديولوجية والنفسية والثقافية والإعداد للقبول بالحلول والاستقرار، والاستعداد للفكر الجديد وثقافة الاستسلام والهرولة والانبطاح والقبول بصفقة القرن. ولذا، فانفرد القرن وتميز بطبخته المعدة مسبقاً، وصفقته المخزية، وصفعته القوية، وصرخته المدوية، وطعنته الغادرة. وما طبخة القرن إلا خطة محكمة أعدت لحدوث الصاعقة الكبرى وتهيئة الأجواء لتصديقها والاقتناع بجرم مرتكبيها ممن أخذتهم العزة بالإثم كما سبقت الإشارة. أما ما يسمى بصفقة القرن، فتتجسد في التآمر العربي الأمريكي الإسرائيلي على الإخوة الفلسطينيين، والقضاء على قضيتهم، وإلغاء حقهم في عودتهم إلى وطنهم، وهو في الأصل مطلب إسرائيلي بحت. وما هذه الصفقة إلا صفعة قوية يوجهها العرب من خلال جامعتهم إلى إخوانهم الفلسطينيين، بالاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وإنهاء القضية الفلسطينية. ولن يحدث هذا إن شاء الله، رغم التآمر المخزي، وحضور الثقل العربي المتصهين في مؤتمر وارسو، والجلوس جنبا إلى جنب وعلى طاولة واحدة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، وتبادل أطراف الحديث معه حول القضية الفلسطينية في المقام الأول، وليس حول العداوة الإيرانية كما هو ظاهر للعيان. وما بُعبُع العداوة الإيرانية إلا إطار فارغ غُلف به المؤتمر ليمر على من يريد أن يصدق أو يستغفل من البسطاء العرب، وبعض فئاتهم المثقفة من المطبلين لأنظمة حكمهم. ويمضي القرن، ويستمر في أحداثه وكوارثه ومآسيه، وتأتي طعنته المتمثلة في طعنة الغدر والجبن والخيانة التي وجهها قادة دول الحصار إلى شقيقتهم الصغرى قطر لأسباب خفية تتعلق بترتيبات وتآمرات تخدم أعداء الأمة في شق الصف الخليجي المتآلف والمتآخي، والقضاء على الكيان الخليجي الموحد المتبقي من كيانات الوطن العربي. ولم يخلُ القرن من المفاجآت، فقد فاجأ النائب مرزوق الغانم رئيس مجلس الأمة الكويتي العالم بأسره بصرخته المدوية في وجه الوفد الإسرائيلي في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي بجنيف (2017)، وطالبه بصوت عال وبشجاعة الفرسان مغادرة القاعة لانتهاكه كل حقوق الشعب الفلسطيني الإنسانية، وقتل أطفال غزة، وتدمير منازلهم، وتشريدهم من وطنهم. فكانت هي صرخة القرن المدوية التي لم يجرؤ عليها أحد من قبل، والتي أُطلقت في زمن الهرولة العربية إلى العدو الإسرائيلي، والتطبيع المذل معه، والانبطاح المخزي له. هذا هو القرن الجديد بكوارثه ومآسيه، وبصفقته المخزية وصفعته المؤلمة، وطعنته الغادرة، وصرخته الشُجاعة المدوية. ووفق الله قادة الأمة المخلصين في مواجهة تحديات القرن الجديد، بكوارثه وأزماته ومحنه ومآسيه.