10 سبتمبر 2025

تسجيل

وزير الداخلية المنوفي.. ماذا يعني؟!

14 مارس 2015

(1) بمجرد علمي أن وزير الداخلية الجديد ينتمي لمحافظة المنوفية قفز إلى ذهني على الفور ما يلاحظه كل المصريين منذ عصر السادات، حيث سطع نجم المنوفية في معظم مؤسسات الدولة وأصبحت المنوفية رمزا للسلطة ولعل جميعنا يذكر أن وزراء الداخلية زكي بدر وأحمد رشدي وعبد الحليم موسى ينتمون أيضا للمنوفية، كما لا يمكن أن ننسى كمال الشاذلي مايسترو برلمان مبارك ومؤدب المعارضة ومربيها!! ولن ننسى أبدا نموذج سمير رجب الذي يجري استنساخه الآن في كل وسائل الإعلام المرئية والمقروءة على السواء. وهذا يعود بنا إلى الرسالة التي تلقاها المجتمع المصري في مقابل عملية الاحتلال لكل المؤسسات بهذه الطريقة والتي قوبلت بكمٍّ هائل من النكات بدأت بتفسير هذا الاتجاه لتعبئة كل المؤسسات بمن ينتمون للمنوفية وذلك في عصر السادات ومن بعده مبارك ثم انتقلت للرفض والمقاومة لهذا الاتجاه.. وقد جاء التفسير الأبلغ والذي يرتبط بحالتنا السياسية الحالية، أن أهل المنوفية يتميزون بالانضباط الميري والاستجابة السريعة لنداء الجيش وهو ما عبرت عنه الأهزوجة الشعبية: ضرب البروجي في تلا.. طلعت شبين تلاتات.. سمعت قويسنا الخبر.. استدعت الإجازات.. طلع الحمار من الدرا.. قاله تمام يا سادات.. رد السادات يا حمار.. الجمع مش بالبلغ.. الجمع بالبيادات!!والأهزوجة هنا تجعل النداء الذي يصدر من مركز "تلا" شمال المحافظة سببا في استنفار المحافظة كلها حتى جنوبها "منوف" ولا يأتي الاستدعاء على أي نحو وإنما على هيئة صفوف منتظمة "تلاتات" والأبلغ من ذلك هو تأكيد السادات عليهم ألا يكون الجمع إلا بالبيادات!!ثم انتقل المجتمع بعد ذلك لرفض هذا النهج في الحكم عن طريق النكات المصرية المعهودة وهنا أذكر "شاويشا" منوفيا في سجن ليمان طرة وكان ضمن دفعة نهاية الثمانينيات التي جاء بها وزير الداخلية زكي بدر، وكنا نسميهم بالفعل أبناء زكي بدر، لتحل محل الدفعة العتيقة التي استلمت السجون منذ العصر الملكي وكان هذا الشاويش يتمتع بذكاء نادر بين أقرانه وكنت أعتبره صديقا مهما، لأنه كان يتابع كثيرا من الشؤون المصرية وصاحب نكتة سياسية وقد صارحته مرة بحالة "المنيفة" التي تجري لكل المؤسسات، فإذا به يعدني بنكته يومية عن المنوفية تفسر لي المشهد وبالفعل كنت أنتظر خدمته التي كانت 3 مرات في الأسبوع لأتلقى نكتة اليوم!! وكان بمجرد أن يصل بالمفتاح إلى باب زنزانتي أكون واقفا في انتظار نكتة اليوم والتي كانت تستغرق من الضحك الكثير!!والغريب أنه من وفرة مخزون النكات المنوفية عنده كان إذا تم نقله إلى عنبر آخر بعيدا عن العنبر السياسي، كان ينتهز أي فرصة ليأتي إلى عنبرنا بالنكتة ثم ينصرف إلى عنبره!!كما تذكرت على إثر تعيين الوزير المنوفي الجديد واقعة طريفة وقعت أثناء سجني في عصر مبارك عند ترحيلي من سجن ليمان طرة إلى سجن الزقازيق في صيف عام 1990 وكان برفقتي عدد من الزملاء المرحلين وكنا قد تعودنا منذ اعتقالنا عام 1981 أن نعمل على توصيل صوتنا ورسالتنا للشعب المصري مهما كلفنا ذلك وكأننا كنا نودع الحياة ونريد أن نبلغ ما ننقذ به ضمائرنا ونؤدي ما رأيناه واجبا علينا تجاه أمتنا.وكان من بين الوسائل التي تعودنا عليها في ذلك أننا لم نكن ندع فرصة لرؤية "اﻷسفلت"، هكذا يسميه المعتقلون كناية عن الشارع، لأي غرض، سواء كان أثناء الترحيلات للمحاكم أو للسجون اﻷخرى أو للمستشفيات أو حتى الجامعات حينما كان مسموحا باﻻمتحان بها، إلا وقطعنا الطريق كله هتافا، وإن بدا في شكل صراخ تحذيري من المصير الذي ينتظر اﻷمة لو استسلمت لهذا الطغيان وكان من أكثر الهتافات التي هزت وجداني في تلك الفترة: "نعم سنموت ولكننا.. سنقتلع الظلم من أرضنا"، وكنا في الحقيقة لدينا أمل كبير في أن نغير الأوضاع في مصر ونرفع عن شعبها هذا الذل والفقر طويل الأمد ولم تكن تمر بمصر ظروف سياسية إلا واستثمرناها عن طريق الهتاف لصالح ما نراه توعية لشعبنا من الكوارث السياسية التي تحيق بالوطن في ظل استمرار حكم الاستبداد وتحكم المفسدين ومن ثمّ دعونا للانتفاض على هذه الأوضاع الفاسدة.وقد حاولت الأجهزة الأمنية في نهاية الثمانينيات أن توقف هذه الهتافات بأي شكل، خاصة أن معظمها كان مركزا ومصوبا تجاه شخص مبارك وسياساته الغاشمة، فلم يستطيعوا ذلك فانتهزوا فرصة قرب موعد الإفراج عن فوج من الزملاء عام 1988 كانت قد انتهت محكوميتهم فأرادوا أن يستغلوها فرصة للضغط عليهم من أجل إيقاف الهتافات وإلا سيوقف الإفراج عن الجميع بقرار نيابة يحيلهم لمحاكمة بتهمة إهانة رئيس الجمهورية وقاموا بالفعل بإبلاغنا بذلك، فاستمرت الهتافات كما هي، بل زاد حماسها، فتمت إحالة أول مجموعة للنيابة بتهمة سب وقذف رئيس الجمهورية ولم يكونوا يعلمون أنها تهمة نسعى إليها ونفتخر بها، فذهب الجميع للنيابة معترفا بالجريمة مصمما على كتابة الهتافات التي نرددها في محضر النيابة!! فلم يكن هذا الفوج متلهفا للخروج من السجن بقدر ما كان متلهفا لحكم سجن جديد بتهمة سب وقذف السيد رئيس الجمهورية محمد حسني مبارك!!وكانت المفاجأة أن اكتشفت الرئاسة بعد كل هذه الإجراءات أنه لا يجوز رفع هذه الدعوى إلا بطلب مباشر من رئيس الجمهورية نفسه وهو ما يتعارض مع ما كان حريصا عليه حينها، وما كان مرسوما له بدقه من قبل راسمي سياساته، وهو ألا يقف في خصومة مباشرة مع أحد، فتم حفظ القضية واستمرت الهتافات التي يعتبرها النظام سبا وقذفا للسيد رئيس الجمهورية!! في أحد هذه الترحيلات والذي كان من سجن ليمان طرة إلى سجن الزقازيق، قطعنا الطريق كله هتافا، خاصة كلما اقتربنا من الجمهور أو حتى السيارات المجاورة لسيارة الترحيلات. وكنا نندد في هتافاتنا بحكم مبارك وظلم مؤسساته، خاصة الداخلية، وبيعه لكل مقدرات مصر ولاسيَّما للكيان الصهيوني. وكان من حظنا أن الهتاف الأخير الذي كنا نردده أمام سجن الزقازيق لحين فتح الأبواب لدخولنا هو: "إسلامية إسلامية.. لا شرقية ولا غربية"، وتصادف أن استمر الهتاف حتى فتحت أبواب السجن وبدأنا في النزول من سيارة الترحيلات ودخلنا ما يسمى بالتشهيلات وأغلق باب السجن العمومي.وبدأ الصولات الخبراء بشؤون السجون يقومون بمهامهم الروتينية من تسجيل في الدفاتر وتفتيش الضيوف الجدد!! وهؤلاء لم تكن قد تخلت الداخلية عنهم بعد، رغم أن معظمهم يعمل منذ العهد الملكي ومازالت الداخلية تمدد لهم لأنهم كانوا يتمتعون بصفات نادرة من التمسك بالميري والغيرة على كل تعليماته ربما أكثر من ضباط السجون أنفسهم وكان كثير منهم من المنوفية أيضا.ورغم بدايات الإجراءات إلا أن الشباب كان لا يزال يهتف الهتاف الأخير "إسلامية إسلامية.. لا شرقية ولا غربية" وكان هذا الاستمرار في الهتاف في وعي الشباب صورة من صور رد الفعل المقاوم والرافض لحفلات الاستقبال!! التي كانوا يستقبلوننا بها في فترات سابقة بالضرب والزحف والتنكيل في ذات الأماكن وكأننا كنا نستثمر هذه الهتافات لنقول للسجانة إننا لم نركع ولم نستسلم لجبروتكم، كما كنا نريد أن نؤكد أننا أصحاب رسالة، كما أننا لم ننس السحل والتنكيل الذي لاقيناه في ساحات السجون وعلى أبوابها، والحقيقة أنني كنت أعتبرها صورة من صور استعادة الكرامة والهيبة وقد كانت الهتافات بالفعل تؤرقهم ويتمنون أن تنتهي بأي شكل..لمحت أثناء الإجراءات أن الصول الممسك بالدفتر والقلم ويقف متخندقا خلف كتلة خراسانية كبيرة ويكتب أسماءنا، أنه كان يكتب بعصبية شديدة وبجواره صول آخر متهلل من الضحك، يكاد أن يغرق فيه، ومع ذلك فقد بدت عليه علامات المكر والدهاء، ثم فجأة انتفض الصول الممسك بالدفتر ونحن نهتف "لا شرقية ولا غربية"، قائلا: و"لا منوفية"!! ثم ضرب الدفتر الكبير بالأرض ثم انهال ضربا على الصول الذي يضحك!!فكانت أول مهامنا في سجن الزقازيق هي أن أوقفنا الهتاف وبدأنا في فض الشجار الذي هز هيبة الشرطة ومرغ بالباريهات الميري التراب.. والحقيقة أنني لم أفهم لماذا وقع هذا الشجار فجأة ودون مقدمات ولم أدرك علاقة هتافنا بهذه المعركة إلا عندما نبهني لذلك أحد زملائي الشرقاوية والذي كان يعرف مظاهر الخلاف بين الشرقاوية والمنايفة والذي جعل الصول المنوفي يتخيل أن هتاف لا شرقية ولا غربية هو هجوم على محافظتي الشرقية والغربية وأن هذا الهتاف بالضرورة هو لحساب المنوفية!!قفزت إلى ذهني مع ذكرى هذه الواقعة عدة علاقات وإن كنت أفضل صياغتها في هيئة تساؤلات: هل هناك صراع دفين على النفوذ داخل مؤسسات الدولة بين أهل المنوفية وأهل الشرقية؟وهل لذلك علاقة بأن يقوم وزير الدفاع المنوفي عبد الفتاح السيسي بالمكر بأول رئيس شرقاوي يصل لكرسي الحكم وهو د. محمد مرسي، ثم ينقلب عليه هذا الانقلاب المدوي ويظفر فعلا بقصر الرئاسة؟!ثم هل وزير الداخلية المنوفي الجديد مجدي عبد الغفار تم اختياره مصادفة بعد أن تمت إحالته للمعاش، أم أن هناك منظومة حكم ذات طابع معين يجري بناؤها؟!، خاصة أن أهم أركان الحكم الحالي ينتمون لمحافظة المنوفية ابتداء من رئيس النظام عبد الفتاح السيسي ثم رئيس الوزراء إبراهيم محلب ووزير الدفاع صدقي صبحي وأخيرا وزير الداخلية مجدي عبد الغفار.