13 سبتمبر 2025
تسجيلالمتأمل في الإعلام العربي في السنوات الأخيرة وتعامله مع ظاهرة الإرهاب يلاحظ غياب إستراتيجية واضحة وهادفة ويلاحظ أن وكالات الأنباء العالمية هي التي تحدد الأجندة والأولويات حسب ما يحلو لها وحسب مفهومها للإرهاب وحسب قيمها ومعتقداتها وسياساتها وأيديولوجيتها. من الملاحظ كذلك غياب إستراتيجية إعلامية عند الدول العربية ضحية الإرهاب الأمر الذي أدى إلى عدة مغالطات وإلى حجم كبير من التشويه والتزييف سواء للإسلام أو للعرب بصفة عامة، ومن المعروف أن أحد الأهداف الرئيسية للإرهابيين هو الوصول للرأي العام وبذلك التأثير فيه لكسبه سواء محليا أو دوليا، وهنا نلاحظ التعامل العشوائي وغير المسؤول لوسائل الإعلام العربية مع الأحداث الإرهابية المختلفة، وفي بعض الأحيان نشكك حتى في أهداف ونوايا الكثير من المؤسسات الإعلامية العربية. وسائل الإعلام العربية مطالبة بالتفاعل والتعاطي مع الأحداث الإرهابية بروح المسؤولية والمصداقية والموضوعية ودراية تامة بالخلفيات والأبعاد وعدم الخضوع والتبعية التامة لوسائل الإعلام ووكالات الأنباء الغربية، فوسائل الإعلام العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى للدفاع عن العقيدة الإسلامية والحضارة العربية الإسلامية والعادات والتقاليد التي تتسم بالتسامح والمحبة والوئام.تعتمد معظم وسائل الإعلام العربية في تعاملها مع الإرهاب اعتمادا كليا على وكالات الأنباء العالمية ولم تجرؤ على الخروج للميدان ومعايشة الواقع ثم تقديمه للرأي العام سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي، على مسؤولي وسائل الإعلام النظر إلى ظاهرة التفاعل والتعامل مع عمليات الإرهاب بشيء من الحذر والجدية والتعمق لأن فكرة حرية الصحافة والتدفق الحر للمعلومات والطاعة العمياء لمبدأ حق الفرد في المعرفة لا مجال لها عندما يتعلق الأمر بأمن المجتمع وسلامته، المطلوب هنا هو وضع مقاييس صارمة للتعامل مع الأعمال الإرهابية وإذا استطاعت وسائل الإعلام أن تهمش هذه الأعمال ولا تعطيها أي أهمية تذكر فإنها تخدم بذلك المجتمع بأسره وتقصي الإرهابيين وأعمالهم. في هذه الحالة لا يجب أن تفكر وسائل الإعلام بمنطق الربح والتجارة والتنافس ولا بمنطق الحرية وعدم تدخل الدولة في شؤونها الخاصة أو غير ذلك من الاعتبارات لوضع قيود وتوجيهات للتعامل مع الإرهاب.إن ضرورة تعاون أجهزة الأمن والحكومة ووسائل الإعلام في كيفية التعامل مع الإرهابيين وتغطية نشاطهم مهمة جدا لتجنب عملية الاستغلال وتجنب الدعاية والتضخيم والإثارة، تضافر الجهود يؤدي إلى نجاح احتواء الإرهاب وإقصائه إعلاميا وهذا يعني موته، فالإرهاب دون دعاية وإعلام لا يستطيع أن يحقق أهدافه ويصل إلى الرأي العام. فعندما تقوم وسائل الإعلام بتغطية الأعمال الإرهابية تقوم بتضخيم الأحداث وتجعلها علنية مشحونة بالانفعال والتوتر وفي الكثير من الأحيان تؤدي هذه التغطيات خاصة التلفزيونية منها إلى تعاطف الرأي العام مع الإرهابيين. وهنا تجد وسائل الإعلام نفسها أمام وضع لا تحسد عليه: الحفاظ على حرية التعبير والقيام بدور الإبلاغ والإخبار وإشباع مطالب الجمهور، وبين تسخير خدماتها الإعلامية للإرهابيين الذين يستعملون العنف والقوة للوصول لوسائل الإعلام ومنها إلى الرأي العام وإلى أكبر عدد ممكن من الجمهور داخليا ودوليا. وكما أسلفنا يجب التعاون والتنسيق بين الأطراف المختلفة لتهميش الإرهابيين وأعمالهم وهذا لصيانة المصلحة العامة وسلامة المواطنين وأمن الدولة.وحتى تنجح وسائل الإعلام في مهمتها الإستراتيجية في التعامل مع الإرهاب يجب إنشاء بنك معلومات مشترك ويجب إنشاء قنوات تعاون لتبادل المعلومات وتوفير المعطيات اللازمة والضرورية عن الشبكات الإرهابية المختلفة من حيث الخلفية والتكوين والأيديولوجية والأهداف وإلى غير ذلك من المعلومات التي قد تتوفر لدى البعض وتغيب على الغالبية العظمى من وسائل الإعلام العربية. فما يجري من أعمال إرهابية في بعض الدول العربية الشقيقة عولج مع الأسف الشديد بطريقة عشوائية تنقصها الدقة في المعلومات والحدس الصحفي البارز وجاءت معظم الكتابات حول ظاهرة الإرهاب مبسطة مسطحة خدمت الإرهاب أكثر مما أنها حاولت أن تقوضه أو تنير الرأي العام بطريقة عقلانية هادفة وناجحةوليعلم القائمون على الإعلام العربي أن معظم وسائل الإعلام الغربية خاصة تلك التي تركز على الإثارة وعلى بيع الغرابة والعنف والجريمة فإن الإرهاب يعتبر مادة دسمة مربحة تساعد المؤسسة على زيادة المبيعات وجني أرباحا طائلة ناهيك عن نوايا التشويه والتشهير والتجريح والإساءة للعرب وللإسلام والمسلمين، فالإرهاب أصبح لغة العصر وانتشر في جميع أنحاء العالم، تركز وسائل الإعلام الغربية بدرجة كبيرة على ما يحدث في الدول النامية والدول الإسلامية بدرجة كبيرة مستغلة الإثارة والجريمة لتكريس أفكار معينة ومعروفة وتدعيم وضع راهن فارض وجوده على العالم بأسره. ومع ظهور الإسلاموفوبيا أصبحت وسائل الإعلام الغربية تتفنن في إيجاد علاقة ارتباطية إيجابية بين الإسلام والإرهاب وما بين كل من يخرج عن طاعة أمريكا والغرب والإرهاب. والغريب في الأمر أن المهتمين من الصحفيين والمختصين في شؤون الإسلام والشرق الأوسط والعرب لا يفرقون بين أمور كثيرة ويمزجون بين الدول والأمم ومختلف المذاهب والاتجاهات في الديانات والثقافات والحضارات المختلفة خاصة الحضارة العربية الإسلامية. وانطلاقا من الصور النمطية والأفكار المسبقة والمشوهة تقوم وسائل الإعلام بتقديم أخبار ملونة الهدف منها النيل من العرب والمسلمين وربط الإرهاب بالإسلام وما حدث في أوكلاهما على سبيل المثال يؤكد الانحياز المقصود والمتعمد ضد العرب والمسلمين، وكل ما يحدث من أعمال إرهابية في معظم الدول الأوروبية ينسب بالدرجة الأولى للعرب وللمسلمين دون انتظار نتائج التحقيق أو التحريات، وعندما تكشف نتائج الاستجوابات المختلفة والحقائق والأدلة القاطعة أن المسلمين والعرب ليس لديهم علاقة بالموضوع تتجاهل وسائل الإعلام نتائج التحقيق ولا تعترف بغلطتها وتمر عليها مرور الكرام وكأن شيئا لم يحدث، وهنا تستغل وسائل الإعلام الإرهاب لترسيخ صور نمطية معينة وتعمل على تأكيد تفوق الحضارة الغربية وتخلف باقي الحضارات، ويبقى الصراع دائما بين الغرب الذي يريد بكل الوسائل والحيل والتصرفات غير الأخلاقية إقصاء الآخرين وفرض ثقافته وأفكاره وقيمه على العالم بأسره. تجدر الإشارة هنا إلى تعامل الإعلام مع حادثة "شارلي إبدو" وحادثة "شابل هيل" بنورف كارولينا. في خلفية الصراع الحضاري بين الشرق والغرب خاصة في إطار تقويض الإسلام وتشويهه تأتي ظاهرة الإرهاب في الوطن العربي كالمبرر الضروري واللازم لإطلاق عنان الحقد والكراهية وكل أنواع وأشكال الصور النمطية على "بربرية العرب والمسلمين"، وكلما كانت هناك حادثة إرهابية في الغرب إلا ووجهت أصابع الاتهام للعرب، وغالبا ما يُسجن الشاب العربي المغترب في فرنسا أو في بلجيكا أو في أمريكا وغيرها من الدول الغربية الأخرى لا لشيء إلا لأنه يتميز بملامح العربي.