19 سبتمبر 2025
تسجيلحصلت المفاجأة وعاد حاقان فيدان رئيس الاستخبارات التركية السابق إلى موقعه في رئاسة الجهاز الأكثر حساسية وتأثيرا في تركيا كما في كل البلدان.في السابع من فبراير الماضي قدم فيدان استقالته من رئاسة الاستخبارات ليتقدم بطلب ترشيح إلى الانتخابات النيابية التي ستحصل في السابع من يونيو المقبل. نظام الانتخابات يفرض على كل موظف يريد الترشح للانتخابات أن يستقيل من منصبه قبل أربعة أشهر من موعد إجرائها. وهكذا كان. ولأن حاقان فيدان ليس شخصا عاديا في تركيا فإن استقالته أثارت موجة من النقاش حول الأسباب وما الذي يدفع برجل استخبارات ناجح إلى ترك وظيفته لممارسة السياسة في مرحلة حساسة من تاريخ تركيا والمنطقة.وحينها قيل كلام كثير من أن رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو يشعر بوطأة المرحلة عليه وبالتالي يحتاج إلى اسم كبير يضخ الثقة والقوة لحزب العدالة والتنمية خصوصا بعد انتقال رئيسه السابق رجب طيب أردوغان إلى رئاسة الجمهورية واستبعاد عبدالله غول عن الحزب بقرار من أردوغان شخصيا في الصيف الماضي.غير أن البعض رأى في الاستقالة حينها أنها جزء من خلاف بين أردوغان من جهة وداود أوغلو من جهة ثانية وأن الأخير نجح في أن يستميل فيدان إلى جانبه ليكون معينا له في مواجهة هيمنة أردوغان على الحزب والحكومة.ولعل كلمة السر حينها كانت في إعلان أردوغان أنه عارض استقالة فيدان لأن تركيا بحاجة له ووصفه بأنه "خزان أسراره" وأن جهاز الاستخبارات أهم من عشر وزارات. وكرر أردوغان اعتراضه دون أن يستطيع أن يقف بوجه الاستقالة.وفي أثناء زيارة أردوغان الأخيرة إلى السعودية التقى "صدفة" بحاقان فيدان في المدينة المنورة دون أن يرشح الكثير عن الهدف من اللقاء وهل كان صدفة فعلا أم مخططا له.في مطلع الأسبوع الحالي أعلن فيدان أنه سحب طلب ترشيحه للنيابة عن حزب العدالة والتنمية من أجل خدمة وطنه بشكل أفضل، وما لبث أن أعلن رئيس الحكومة داود أوغلو أنه أعاد تعيين فيدان من جديد رئيسا لجهاز الاستخبارات التركية.بذلك طويت صفحة قانونية وشكلية من المسألة لكن الأمر لن ينتهي عند هذا الحد، إذ إن موجبات عدم مضي فيدان في الانخراط في العمل السياسي كما رغبته في الانخراط في السياسة لا تزال لغزا محيرا رغم كل التحليلات.لعل هناك أكثر من سبب لعودة فيدان عن استقالته أولها أن رئيس الجمهورية أردوغان يشعر أن تركيا تمر بمرحلة خطيرة وتحتاج إلى استمرار الدور القوي للاستخبارات الذي كبر بفضل موهبة فيدان خصوصا أن تطورات محيطة بتركيا تتفاعل ومنها الحرب على "داعش" والتطورات العسكرية في العراق وفي شمال سوريا وليس أفضل من فيدان ليحول دون أي تراجع في قدرة تركيا على التقصي والتحرك. والمسألة بالتالي ليست مسألة "دلع سياسي" يمكن لفيدان أن يقوم به فقط بعد انحسار التهديدات والأخطار المحيطة بتركيا.والثاني أن أردوغان يرى أن العلاقة مع زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجالان تمر بمرحلة دقيقة بين الحل والانفجار وفيدان هو الذي قاد المفاوضات مع أوجالان وبالتالي لابد من عودته لاستئناف هذه المهمة المصيرية.والثالث أن المعركة ضد جماعة فتح الله غولين أكثر من ضروري استكمالها وفيدان كان أحد أبرز رموز المواجهة مع غولين ويريد أردوغان منه أن يكمل أيضاً هذه المهمة منعا لأي احتمالات أو توقعات مفاجئة.والرابع أن أردوغان يريد أن يعزز سلطته في رئاسة الجمهورية والانتقال إلى نظام رئاسي ولا يريد أن تدخل البلاد في صراعات مستجدة أو جانبية نتيجة تغير التوازنات داخل حزب العدالة والتنمية وبالتالي يريد من فيدان أن يعينه على هذه المهمة.وفي جميع الأحوال إذا كان من خلاصة لكل هذه التطورات فهو أن أردوغان لا يزال الرجل الممسك بحزب العدالة والتنمية وأنه إذا اعترض على شيء لا يمر وإذا قال "كوني تكن".