12 سبتمبر 2025

تسجيل

خيارات الثورة مغاربيا

14 مارس 2014

أنجزت تونس ثورتها، وأسقطت النظام السياسي القديم، لكنها لا تزال تتخبط في عملية الانتقال الديمقراطي. و أنجزت ليبيا ثورتها، وأسقطت النظام السابق، ولا تزال تعيش في ظل فوضى السلاح التي تمارسها الميلشيات المسيطرة على مصادر الطاقة، وغياب كامل للدولة. ولتونس أزماتها المعروفة، وأخطرها أزمة استيطان الإرهاب في مجتمعها بسبب وجود بيئات حاضنة له، وأزمة اقتصادية خانقة، باتت تتحكم بمصير البلد، ولا توجد لدى الحكومة الحالية عصا سحرية لحلها. و أصبحت ليبيا بلداً مصدراً للإرهاب، بسبب سيطرة التيارات الدينية المتشددة على أقسام كبيرة من البلاد، وعجز السلطات المنتخبة في يونيو 2012عن بناء دولة عصرية حديثة. في تونس كما في ليبيا، الأزمات موجودة وإن اختلفت في طبيعتها وحدتها، وفي الجزائر والمغرب، رغم أن هذين البلدين لم يشهدا ثورة حقيقية، لكنهما يرزخان تحت وطأة الأزمات الاقتصادية والحدودية.و تكمن المشكلة في البلدان المغاربية شواء في ظل الأنظمة الحاكمة منذ عقود من الزمن، أو في ظل السلطات الحديثة ما بعد الثورة، أن الفكر السياسي لدى النخب الحاكمة، وحتى لدى العديد من الأحزاب المعارضة على اختلاف مشاربها الفكرية والسياسية، لم يع أنه في ظل العولمة الرأسمالية المتوحشة، الدولة القطرية المغاربية التي تشكلت على حساب المشروع القومي الاجتماعي ودولة السوق القومي وصلت إلى مرحلة الانحطاط، سواء كان على رأس هذه الدولة القطرية فئات البرجوازية الكمبرادورية التي ارتبطت مباشرة بالإستراتيجية الشاملة للإمبريالية الغربية والنظام الرأسمالي العالمي، كما هو الحال في تونس والمغرب، أو تلك التي كان على رأسها فئات من الطبقة الوسطى التي انتهجت خياراً اقتصاديا واجتماعياً يقوم على شكل من أشكال رأسمالية الدولة، كما هو الحال في الجزائر وليبيا. فقد تجاوبت كلتاهما مع التقسيم الإمبريالي للعمل، وكانت نتيجتهما واحدة لجهة دخول المجتمعات المغاربية في أزمة بنيوية عميقة، وعجر هذه البنية الكولونيالية عن توفير الحد الأدنى من شروط التنمية المستقلة، والسوق القومية، والديمقراطية، والسياسة القومية.في ظل ما بات يعرف بزمن "الربيع العربي"،من الواضح أن لإحساس بالأزمة البنيوية العمقية وانغلاق سبل الخروج منها، هو الذي سيدفع الأنظمة المغاربية القديمة والجديدة المأزومة إلى محاولة البحث عن مخرج جماعي للخروج من أزماتها، وهذا المخرج الحقيقي يكمن في إعادة إ حياء وحدة المغرب العربي بهدف التخفيف من المخاطر الداهمة. علما أن إتحاد المغرب العربي قام على أساس قطري واندمج في إطار تشكيل وحدة إقليمية على غرار بلدان مجلس التعاون الخليجي، وحدة أنظمة قطرية مسيطر عليها من قبل الإمبريالية الأمريكية، ولها وظيفة في الإستراتيجية الأمريكية في الوطن العربي، والبحر الأبيض المتوسط، لدعم ركائز هذه الأنظمة القطرية، ومنع المعارضة الإسلامية المغاربية من أن تحقق أهدافها، وخلق نوع جديد من التوازنات يساند فيه النظام القوي النظام الضعيف، ويمنع الأقطار الأكبر من احتواء الأقطار الأصغر. رغم حصول الثورة في كل من تونس وليبيا، ووصول سلطات جديدة في البلدين كليهما، واستمرار النظامين في كل من المغرب والجزائر على حالهما، يلمس المراقب الموضوعي، أن لا شيئاً جوهرياًتغير في طبيعة الأنظمة المغاربية، فهي أنظمة استمدت شرعيتها وحراكها الاجتماعي من الضرورات والاستحقاقات الخارجية،أما الثورة في تونس وليبيا، فلم تفرز تمثيلية سياسية تعبر عن إرادة الثورة، وتطرح إعادة بناء الاتحاد المغاربي، باعتباره خشبة الخلاص للخروج من الأزمات التي تعيشها البلدان المغاربية محلياً وإقليميا. كل مشروع سياسي يحتاج بالضرورة إلى مشروع معرفي / ثقافي ملازم له، وأكثر من أي وقت مضى، يبدو المدخل الضروري لإعادة بناء الوعي المغاربي الديمقراطي مدخلاً معرفياً / ثقافياً، مدخلاً فكرياً يضع حداً للاتجاه العلموي – التكنوقراطي المنسجم مع وضعية التجزئة والتأخر الإيديولوجي السياسي والاستبداد وهي سمات الدولة القطرية المغاربية بامتياز. والفكر العربي مطالب اليوم، وفي ظل التغيرات التي تعصف في العالم بمعرفة الواقع بثلاثة أبعاده: الزمانية (التاريخية) والمكانية (العالمية) والمنطقية (العقلانية) من دون رغبات أو مشاعر وهو مطالب قبل كل شيء بناء هذا كله وغيره على مبدأ الإنسان ومفهوم التاريخ وفكرة التقدم. إعادة إنتاج السياسة في صلب المجتمع المدني المغاربي بوصفها فاعليته الخاصة المميزة، وبوصفها حقل العام الذي تتخذ فيه التعارضات الاجتماعية طابعاً عاماً، وتحل بالطرق السلمية التوافقية المحكومة بنسبة القوى الاجتماعية. السياسة هي الحقل الذي يتخذ فيه التنافس بين الأفراد والتعارض بين الاتجاهات الإيديولوجية والأحزاب السياسية طابعاً مدنياً وحضارياً سلمياً، بعد أن تكون هذه التناقضات والتعارضات والصراعات قد اتخذت صفة ثقافية وإيديولوجية، وألا تنحط السياسة إلى حرب ويفقد المجتمع لغة التفاهم والحوار وشروط التوافق والإجماع على الصالح العام، والمصلحة الوطنية/القومية. تحويل الدولة القطرية التابعة المرسملة والكمبرادورية في المغرب العربي إلى دولة وطنية هي تعبير حقوقي وسياسي عن هوية المجتمع القومية. ولا يتحقق ذلك إلا بسيادة القانون، وفصل السلطات، واستقلال مؤسسات المجتمع المدني على قاعدة حرية الفرد وحقوق الإنسان والمواطن. الدولة القطرية المغاربية هي التجسيد الواقعي العياني للتجزئة، والقانون الموضوعي لعمل الإمبريالية وحجر الأساس في إستراتيجيتها، وهي محصلة التأخر التاريخي للشعب العربي والأوضاع الإمبريالية الناجمة عنه. والحال هذه لا يمكن تحويل هذه الدولة القطرية التابعة إلى دولة وطنية مستقلة إلا بعمل سياسي ديمقراطي يمارسه المجتمع في مؤسساته المستقلة عن هيمنة السلطات الحاكمة. والدولة الوطنية من هذه الزاوية هي دولة ديمقراطية بمعنى كونها دولة المجتمع التي يشعر فيها كل مواطن بأنها صورته السياسية وملاذه وضامن حقوقه وحريته. والدولة الوطنية هي جنين دولة قومية، أي إنها تقبل الاندماج في مشروع وحدوي، بغض النظر عن الشكل السياسي لهذه الوحدة، سواء اندماجية في دولة واحدة مركزية أو فيدرالية، أو تكامل اقتصادي الخ. والاندماج في المشروع الوحدوي يعني واقعياً حرية انتقال عوامل الإنتاج من دولة إلى أخرى، أو بين الدول المغاربية الأخرى، ونشوء نوع من تقسيم عمل قومي تحدده الشروط الموضوعية والمصالح الحقيقية لشعوب المنطقة. وهذا يؤدي موضوعياً إلى نشوء سوق قومية قادرة على إقامة علاقات ندية أو متوازنة مع التكتلات الاقتصادية الإقليمية ومع السوق العالمية بوجه عام. إذاً فعملية الوحدة المغاربية، مدخلها الواقعي هو تحويل الدولة القطرية ديمقراطياً وقومياً. استنهاض الحركة الشعبية، ولهذه الحركة نزوع أصيل إلى التحرر والتقدم تجلى دائماً في نزوعها الوحدوي الديمقراطي. الحركة الشعبية هي التي تنتج السياسة وتصنع الأحزاب،أما الأحزاب فلا تستطيع صناعة حركة شعبية، ولا تستطيع الأحزاب كذلك قيادة الحركة الشعبية، إلا إذا كانت من إنتاج هذه الحركة نفسها.ومن دون هذه الشروط مجتمعة، وقبل توافرها ربما لا يكون الوقت قد حان لإطلاق سيرورة توحيد المغرب العربي ضمن سياق الثورة القومية الديمقراطية. هذه الثورة كاحتمال تاريخي قائم، لا تزال بكل منطوياتها الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية على جدول أعمال الأمة.