23 سبتمبر 2025
تسجيلضرورة وضع منظومة قانونية لحماية الأفراد المستثمرين أحد أهم العناصر في أي قطاع من قطاعات الاقتصاد هو التطوير والتحديث والابتكار. وعادة ما يكون الحامل لمثل هذا التجديد هي الشركات الجديدة والكيانات الحديثة التي تدخل القطاع بصفتها تحمل حلولا جديدة وتمد القطاع بالحيوية والإبداع. ولكن هذا في حالة القطاع المالي المحلي مفقود. فلا يسمح بإنشاء شركات مالية وطنية لمزاولة النشاط المالي أو الاستثماري. ولذا يستمر ضمور القطاع المالي. ولذلك يتم على غير المعتاد في اقتصادات العالم تشجيع الأفراد على الدخول إلى السوق المالي من دون تأهيل وبدون أي مؤهلات. وهذا ما تعمل معظم الأسواق العالمية على تجنبه وتجنيب الأفراد من مزاولته. حيث إن معظم الأفراد هم أصحاب مهن وحرف بعيدة عن سوق الأسهم والسندات وعالم الاستثمار. فإما محام أو طبيب أو معلم أو مهندس. فهم لا يملكون المعرفة المتخصصة ولا الخبرات ولا الوقت لمتابعة وإدارة مدخراتهم في حال دخلوا السوق. ولا اختيار الأدوات الاستثمارية الأصلح لهم. والكثير من هذه الأدوات والأوعية الاستثمارية غير متوفرة في السوق المحلي. وعليه فهو لا يملك القدرة على تنويع أو خفض مستوى المخاطر من خلال اختيار نوعية الاستثمار أو ومقدار تنوعه. ولذلك يقوم أصحاب الخبرة بإنشاء شركات وصناديق ومحافظ لإدارة تلك الاستثمارات وتوفير الكادر المتخصص والمتابع للسوق. من أجل توجيه تلك الاستثمارات التوجيه الصحيح حسب مخاطر الاستثمار وحسب نوعية المستثمر. حسب عمر وقدرات الفرد على تحمل تقلبات السوق، فمن هم كبار في السن توجه مدخراتهم من أجل تغطية التدفقات النقدية المصروفة من أجل تغطية النفقات، ولذلك عادة ما يوجه مديرو الحقائب والمتخصصون أموال تلك الشريحة إلى السندات والسندات الحكومية والأسهم الممتازة، وبالأخص لحماية الفرد من تقلبات السوق، والتي لن يستطيع التعافي منها في حال مرت السوق بتذبذبات عنيفة، ولذلك يتم تحصين مدخرات من هم كبار أو على المعاش أو القريب من مرحلة الإحالة على المعاش. أما الشباب فلا يزال يملك الوقت في حال تعرضت استثماراته لتراجع. فهو مازال يملك الوقت ويقدر على تدعيم تلك الاستثمارات. ولكن أيضاً هو قادر على المدى المتوسط والطويل من تحصيل مردود أعلى على استثماراته لأنه قادر على الاستثمار في أدوات أكثر مخاطرة والسوق تجازي من يأخذ المخاطرة بمردود أكبر. ولذلك فهو قادر على الاستثمار في الأسهم ورأس المال المجازف ورأس المال الخاص وأدوات التحوط وغيره من الأدوات الأكثر مخاطرة ولكن الأعلى مردودا بالطبع. ولكن كل سن وكل مستثمر له مواصفاته وصفاته ولذلك يتم تفصيل المحافظ والحقائب والإستراتيجيات الاستثمارية على أساس الصفات والميول ومعرفة مدير الاستثمار لكل فرد يستثمر معه. فكل مستثمر لابد من تكوين بروفيل له وتوليف محفظة تلائم شخصيته وإمكاناته وعمره ودخله وحاجاته من مصاريف شهرية وربع سنوية وسنوية لكي لا يتعرض لضائقة مالية. عدم وجود شركات تحمي وتقدم للأفراد خدمات مالية على مستوى عالمي يعني تعريض الجمهور لبعض احتمالات مخاطر ما تقدم الحديث عنه. وعدم السماح أو العمل على توفير تلك الخدمات يعطي صورة عن ما هو عليه القطاع المالي اليوم. وما نأمل أن يكون عليه في القريب العاجل. فلا يعقل أن يكون جل جهد المؤسسات المالية والجهات الرسمية هو الدفع بالأفراد لمعترك أسواق المال وهم يفتقدون أبسط أدوات التعامل معها. ولذلك نطالب الجهات المنوط بها تطوير السوق المالي والقطاع بالسعي من أجل وضع منظومة قانونية لحماية الأفراد المستثمرين ووضع الآليات التي تحكم تأمين مدخراتهم من خلال وضع إجراءات صارمة تحكم تعامل مديري الاستثمار دون غلق أبواب إنشاء الشركات والتي من شأنها خدمة الأفراد وحمايتهم من التعرض لتذبذبات أسواق المال وتعرضهم لعدم ملاءمة ما قاموا به من استخدام أدوات لا تلائمهم ولا تفي بحاجاتهم ودون إدراك مخاطر تلك الأدوات. فمديرو الاستثمار على قدرة أكبر ولديهم الإمكانيات والمعرفة بكيفية تنويع أدوات وأوعية الاستثمار والتي من شأنها حماية المستثمر وهم قادرون على وضع إستراتيجيات لحمايته من التغيرات والتقلبات في أسواق الأسهم والسندات والعملات وحتى التنويع الجغرافي والاقتصادي والقطاعي وداخل كل قطاع يتم تنويع الاستثمارات لتقليل إمكانات التعرض لتقلبات الأسواق وإن كانت هناك تقلبات، فالحقيبة مصممة على تقليص تلك التحولات لأقل حجم ممكن. كل هذا وهناك من الإجراءات والإستراتيجيات ما لا يسمح مثل هذا الحديث للإفصاح عنه. ولكن الهدف هو إيضاح مدى شطط السياسات الحالية لما هو متعارف عليه عالميا وهو تجنيب الأفراد من التعرض للأسواق المالية. القطاع المالي كأي قطاع آخر كل ما يحتاج له هو أولا التخلص من منطق "الباب اللي يجيك منه ريح سده واستريح". فهذا يعني الاستسلام والإيمان بالجمود، وهذا لا يستوي واستمرار الحياة أو التطلع لتنمية القطاع. فإذا تعرضنا كمجتمع وإذا تعرض قطاع من القطاعات لأزمة، ما نحتاجه هو معالجة القصور وإيجاد الحلول والنهوض بدل التقهقر. والجمود وهذا ما حدث في القطاع المالي حيث تعرضت السوق لبعض الأحداث المؤسفة ولكن تلك ليست نهاية العالم. وليس هناك من قطاع لم يتعرض لضعاف النفوس والمستغلين ولكن هناك من يحمل هموم المواطنين والوطن ومن المؤسف أن يقاس الجميع ويعاقب بجريرة المسيء. وليس هناك من قطاع يخلو من "الأفاكين" والغشاشين، ولكن هذا لا يقصر روح ذلك القطاع والجهود المبذولة فيه. ولذلك نطالب أصحاب القرار بمراجعة القرارات وإيجاد حلول لمخاوفهم والقطاع المالي من القطاعات التي تملك من صمامات الأمان ما لا يملكه الكثير من القطاعات الأخرى ولكن نحتاج للاستفادة من الأسواق والاقتصادات التي سبقتنا ومرت في ظروف أسوأ مما مررنا به ولكنها أوجدت الحلول بدل الجمود. حديثي هذا مكمل لحديث سابق عن قصور شبكة الدعم لقطاع الصناعة وأهم ما اعتور ذلك القصور هو اضمحلال القطاع المالي. ولذلك فإن حل إشكالات أي قطاع تعود على باقي قطاعات الاقتصاد بمردود إيجابي وخاصة القطاع المالي لأنه يمد مجمل الاقتصادات بالوقود اللازم لممارسة عملها والقيام بدورها.