15 سبتمبر 2025
تسجيليعتبر نجيب فاضل، الشاعر والمفكر البارز، ذا أهمية كبيرة لفهم تجربة حزب العدالة والتنمية الحالية، والأساس الفكري والاجتماعي الممتد من الفترة العثمانية إلى الجمهورية والذي ساهم في جلبهم إلى السلطة. نجيب فاضل، الذي لا يعتبر معروفًا كثيرًا في العالم العربي، يُعد شخصية فكرية مهمة في تركيا خلال القرن العشرين. ولد نجيب فاضل عام 1904 في عائلة عثمانية من عائلات النخبة التقليدية، وتعود أصول عائلة قيصاكورك إلى أبناء ذو القادر الذين استقروا في مرعش بعد السلاجقة. تلقى الطفل نجيب فاضل تعليمه الأول على يد جده، ثم حصل على تعليمه الابتدائي والثانوي في المدارس الأجنبية التي كانت رائجة في تلك الأيام. خلال سنوات دراسته للفلسفة في جامعة السوربون الفرنسية، ترك نفسه ينغمس في عوالم الترفيه والجموح وعاد إلى تركيا تحت تأثير الثقافة الغربية. وعندما عاد نجيب فاضل إلى تركيا، انخرط في حياته المهنية كموظف حكومي في عدة بنوك. خلال هذه الفترة، استكشف الأوساط الأدبية من خلال اهتمامه بالشعر والمسرح. قدّم نجيب فاضل قصيدة شهيرة له في سن مبكرة جدًا بعنوان «الأرصفة» في عام 1923، وبسرعة دخل عالم الأدب في إسطنبول. نجيب فاضل، الذي يولي أيضًا أهمية لمجالات الفن الأخرى، كتب أيضًا أعمالًا نثرية ومسرحية، منها مسرحيته «توهوم» أو «البذرة» التي نشرت في عام 1935 وأخرجها المخرج الشهير محسن أرطغرول. كما تم عرض مسرحيته الشهيرة الأخرى، «خلق رجل»، في العديد من المسارح. نجيب فاضل، الذي أصبح لاحقًا معروفًا كمعلم، شغل منصب مدرس في المدارس الفرنسية والأمريكية في إسطنبول، حيث قدم دروسًا في مجال الفلسفة في أكاديمية إسطنبول للفنون الجميلة. في سن الخامسة والثلاثين، التقى بشيخ الطريقة النقشبندية عبد الحكيم الأرواسي وأظهر اهتمامًا متزايدًا بالصوفية والتدين. خلال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين، شهدت تركيا ضغوطًا ناتجة عن حكم الحزب الواحد على المعارضة والطوائف الدينية. اضطر نجيب إلى ترك الخدمة المدنية عندما اتجه نحو الطريق الصوفي وبدأ في تجربة روحانية أكثر مثالية ومعارضة للنظام الحاكم. وعلى عكس الصحفيين في تلك الفترة الذين زعموا أن الحرب العالمية الثانية لن تندلع، كان نجيب فاضل ينتمي إلى معسكر معاكس، حيث كان يعتبر أن الحرب كانت وشيكة. أصدر مجلة «بويوك دوغو»، أي الشرق الكبير، وهي أعظم إرث له بعد الحرب، في عام 1943. استمر اصدار «الشرق الكبير» بطابعها السياسي والفكري والأدبي، بأبعاد مختلفة، أغلبها أسبوعية (وأحيانًا يومية أو شهرية)، حتى عام 1978، وأصبحت رمزًا لنضال تركيا من أجل هوية مستقلة وإسلامية. يفهم من الرسائل التي كتبها نجيب فاضل إلى رئيس الوزراء مندريس في الخمسينيات أنه تعرض لضغوط كبيرة في الفترة السابقة وطلب الدعم في مواجهة الصعوبات المالية والسياسية التي قد يواجهها في الفترة الجديدة. هو كان يرى ضرورة الانتصار الفكري على مشروع الغرب الممثل بالمالية مثل اليوم. تم سجن نجيب فاضل بسبب بعض كتاباته، حيث استمر في الإنتاج الأدبي والفكري في ظل المشهد السياسي التركي المتقلب بين الديمقراطية والانقلابات. واحدة من القضايا التي أدت إلى سجنه كانت دفاعه عن أن السلطان عبد الحميد لم يكن سلطانًا سيئًا. خلد تجربته في السجن من خلال قصيدته «رسالة من الزنزانة إلى محمد» كُتِبت هذه القصيدة إلى محمد، الذي كان يُعْتَبَر ابنه الحقيقي ويرمز إلى شباب تركيا. في هذه القصيدة، وصف النظام القمعي بأنه وجه «عابس»، ولكنه لم يتخل عن أمله ومثالياته حتى وهو في السجن، قائلاً: «لا تظنوا أن هذه العجلة ستبقى على المطبات بشكل دائم“ أسس نجيب فاضل جمعية الشرق الكبير عام 1950، على غرار حزب سياسي وقام بإلقاء مؤتمرات في الأناضول. كانت فترة حكم الحزب الديمقراطي في تركيا خلال الخمسينيات فترة حيوية وإنتاجية في المجال الفكري والأدبي. شهدت هذه الفترة نشاطًا ملحوظًا في كتابة الشعر، والمسرح، والنصوص، والقصص، والروايات، والمذكرات، والأعمال الدينية والصوفية، والدراسات السياسية والتاريخية. وكما كان متوقعًا، قدمت عملية الحرية الديمقراطية في فترة مندريس فترةً مثمرةً من حيث الإنتاج الفكري والأدبي لنجيب فاضل. نجيب فاضل، بلا شك، يُعد أحد أقوى الشعراء في تاريخ تركيا الحديثة، وفي الاحتفال بالذكرى الخامسة والسبعين لميلاده، منحته مؤسسة الأدب التركي لقب «سلطان الشعراء»، أي أعظم شاعر تركي على قيد الحياة. على الرغم من أن شعره يحمل طابعًا عثمانيًا، إلا أنه يعتبر من بين أقوى الشعراء الذين يفضلون الوزن المقطعي الأكثر مرونة بدلاً من وزن العروض الذي كان سائدًا في العصر العثماني. قام بتجميع قصائده في ديوانه ”الشقاء“. في قصائده، يتناول نجيب فاضل بشكل متكرر موضوع المشاعر مثل الخوف، إلا أنه في الوقت نفسه يعبر عن تقديره للحرية الروحية ويوجه انتقادات حادة للتمسك بالمادية والانهيار الأخلاقي. نجيب فاضل كان دائماً في حوار مستمر مع الطبيعة والمكان من حوله، مثل الكائنات الحية: الأرصفة، البحر، الأشجار، المنازل، الطرق، الجدران... ومع ذلك، لم يرَ الإنسان كباقي الكائنات، بل كان يعرِّف الإنسان بأنه «ذو وعي فائق» و»ممثل للوديعة الإلهية»، وهو ما يضعه في مكان خاص، يقول: «توقفوا أيها الحشود»، مُذكِّرًا إياه بمسؤولياته. وبشكل خاص، يظهر موضوع مسؤولية المفكر المضطربة بوضوح في قصائده. في قصيدتي «المحاسبة» و»دستان» أي الملحمة، يستخدم لغة السخرية للتعبير عن استيائه من محاولات التلاعب باللغة التركية، حيث يقول: «هناك أمر للعندليب: تعلم اللغة من الوقواق“. نجيب فاضل كتب العديد من القصص بجانب قصائده ومسرحياته المعروفة. جمع في كتابه «قصصي» 52 قصة من إبداعه، ورغم أن رواياته مثل «الكذبة في المرآة» و»ورقة الرأس» لم تحظ بنفس الاهتمام كباقي قصائده ومسرحياته، إلا أنها أظهرت تنوعًا في إبداعه. في كتابه «نسج الأيديولوجية»، كشف فاضل عن وجهة نظره حول القضايا الثقافية، الاجتماعية والسياسية. حتى أنه كان يقوم أحيانًا بنقل المعلومات الدينية من خلال التنكر في شخصيات علماء الدين، محاولًا ملء الفراغ الذي خلفه حظر التعليم الديني في تركيا. بعض أمثلة أعماله في هذا السياق هي «الإيمان والعمل» (1964)، «حضرة علي» (1964)، «الدائرة النبوية» (1968)، «النور النازل إلى الصحراء» (1969)، «أطلس الإيمان والإسلام» (1981)، و»الفكر الغربي والصوفية الإسلامية» (1982).