19 سبتمبر 2025
تسجيلاستقال رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان من منصبه في السابع من الشهر الجاري قبل ثلاثة أيام من موعد العاشر من فبراير وهو الموعد الأخير المحدد لاستقالة أي موظف يريد الترشح للانتخابات النيابية في السابع من يونيو المقبل.وظاهرة الاستقالة من الوظيفة تمهيدا للترشح إلى النيابة ليست مقتصرة على البعض بل باتت ظاهرة بحيث يتطلع العشرات من الموظفين الكبار للترشح في ظل تراجع المعايير المفترض توفرها في المرشح كما كان في السابق، إذ إن ازدياد التبعية للزعيم من كل الأحزاب صار دمغة تطبع الحياة السياسية النيابية في تركيا. حاقان فيدان ليس اسما عاديا في تركيا بل لعله الأكثر إثارة للجدل بعد رجب طيب أردوغان والأكثر صيتا ورصيدا وثقة لدى الرأي العام التركي نظرا للمهام الكثيرة التي نفذها في ظل رئاسته للاستخبارات منذ العام 2009. واستقالته للترشح للنيابة ليست مجرد خطوة روتينية قانونية تتطلبها شروط التقدم لنيل ثقة الناخب.فحاقان فيدان تولى الاستخبارات التركية في أحلك الظروف التي مرت فيها تركيا بعد انخراطها المباشر بملفات وقضايا ومشكلات المنطقة خصوصا منذ انفجار الثورات والحركات في العديد من الدول العربية خصوصا في سوريا والعراق ومصر وتحول الصراع إلى إقليمي ودولي ودموي.ومن علامات أهمية استقالة فيدان أنه سيترشح عن حزب العدالة والتنمية بالتحديد، هو الآن ليس منتميا إلى الحزب، وبالتالي فإن انضمامه إلى الحزب ودخوله نائبا عنه إلى البرلمان ستكون له مترتبات كثيرة على أكثر من صعيد.في البداية قيل إن عزم فيدان على الاستقالة هو نتيجة لقرار من رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان بالتنسيق مع رئيس الحكومة أحمد داود أوغلو.غير أن ردة فعل أردوغان على استقالة فيدان أثارت ضجة أكبر من الاستقالة نفسها وطرحت تساؤلات كثيرة.قال أردوغان وهو في طريقه إلى أمريكا الوسطى لزيارة كولومبيا والمكسيك وكوبا إنه لا ينظر إلى الاستقالة إيجابا وإنه أبلغ داود أوغلو برأيه أكثر من مرة. وقال إن فيدان ليس موظفا عاديا كما أن مؤسسة الاستخبارات ليست مؤسسة تشبه غيرها. بل كان فيدان هو علبة أسرار أردوغان وفقا لأردوغان نفسه.ردة فعل أردوغان أثارت نقاشات واسعة، فالمعروف أن فيدان كان موضع ثقة أردوغان الكاملة وكان بمثابة يده اليمنى في مختلف القضايا الحساسة وكان هو الذي يقود المفاوضات مع زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا لحل المشكلة الكردية، وكان من أهم الدعامات التي وقفت إلى جانب أردوغان لمواجهة نشاط جماعة فتح الله غولين أو ما يسمى بالكيان الموازي.لذلك عندما يبدي أردوغان امتعاضه من استقالة فيدان فإنما كمن يشعر أن جزءا من حائط مناعته قد انهار أو تضعضع، إذ ليس سهلا أن تجد دائما الموظف الكفء والذكي والذي يمتلك مقومات الفراسة والنجاح مثل حاقان فيدان.لكن ظهر أيضاً أن استقالة فيدان وترشحه المقبل للنيابة إنما جاء بعد تشاور وثيق مع رئيس الحكومة داود أوغلو الذي كان هو الذي اقترح فيدان على أردوغان ليكون رئيسا للاستخبارات وهو الذي يقف اليوم وراء استقالة فيدان. وبعض التحليلات تذهب إلى أن داود أوغلو يرى نفسه الرجل الوحيد القوي في الحكومة فيما يحتاج إلى وجوه قوية داخل الحكومة، ربما في وزارة الخارجية أو وزارة الداخلية، تساعده على مواجهة التحديات الكثيرة ولاسيَّما أن الكثيرين في حزب العدالة والتنمية من النواب لن يترشحوا إلى النيابة لأن النظام الداخلي للحزب يمنع النائب من البقاء في موقعه أكثر من ثلاث دورات متتالية. ومن أبرز الذين سيغادرون المسرح السياسي نائب رئيس الحكومة والرجل القوي في الحزب بولنت ارينتش بعدما كان عبدالله غول رئيس الجمهورية قد استبعد عن العودة إلى الحزب.إزاء ما يحصل من حراكات حزبية وسياسية قد نكون بعد الانتخابات النيابية المقرر إجراؤها في السابع من يونيو المقبل أمام بنية جديدة كما في حزب العدالة والتنمية كذلك في بنية السلطة.