31 أكتوبر 2025
تسجيلعملية إرهابية وقعت خلال الأيام القليلة الماضية في الولايات المتحدة، ضحاياها ثلاثة طلاب عرب على يد أمريكي، انتهى الإعلام الأمريكي على تصنيفها "خلاف جيران". لم يخرج الرئيس الأمريكي الذي يحمل لواء حماية الحريات في العالم على إدانتها، ولم يخرج أحد من زعماء العالم الغربي أو منظماته ولا من زعماء العالم الثالث والرابع والخامس للحديث عن الجريمة واستنكارها، مع العلم أنها ليست الحادثة الأولى من نوعها في الغرب، خصوصا خلال الشهور القليلة الماضية.. سلسلة حوادث اعتدي فيها على مبتعثين خليجيين وسائحين عرب من السعودية ومن الإمارات ومن اللاجئين السوريين، أخبارهم كانت ترد كأنها أخبار عادية تحصل كل يوم.. لم نسمع بإدانة واضحة ومطالبة حازمة لحكومات هذه الدول بحماية المسلمين والعرب على أراضيها من نزعات التطرف ضدهم، كما هو من حق كل إنسان أيا كان دينه وتوجهه السياسي، أن يتمتع بالحماية والحرية في التعبير والتنقل وكيفية العيش.لم يتعامل الإعلام الغربي بموضوعية ولا بحيادية، وكان انحيازه فاضحا للغاية. بعد وقوع الجريمة مباشرة ظنت بعض وسائل الإعلام المحلية الأمريكية أن الفاعل مسلم وأن القتلى أمريكيون. بدأ الخبر ينتشر وكأننا أمام شارلي إيبدو جديد وما إن تكشفت الأمور بعد ذلك حتى بدأ الإعلام الأمريكي يخفت ومعه الإعلام العالمي، شيئا فشيئا، متحدثاً تارة عن كره الرجل للعرب ومن ثم أنه ملحد ولا ينتمي لمنظمات عنصرية معادية للمهاجرين أو المسلمين وانتهى الأمر على أنه خلاف على أحقية ركن السيارة بين جيران. وهي رواية في الحقيقة لا تصمد لحظة واحدة أمام العقل، فكيف لخلاف على أولوية ركن سيارة بين جارين ينتهي بمقتل ثلاثة أفراد غدرا وأمام الحرم الجامعي الذي يدرس فيه الضحية؟!الرئيس الأمريكي لم ينبس ببنت شفة حتى كتابة هذه السطور ولم يصدر تعليقا حتى على الحادثة وكأنها من طبائع الأمور التي تتكرر في أغلب المجتمعات وتحديدا في المجتمع الأمريكي الذي ينزع بنسب مخفية نحو العنف، وما حوادث القتل المتكرر داخل المدارس إلا مؤشر إضافي على ما نقول، فضلا عن الأفلام الأمريكية التي تصدر تحت فئة (الأكشن) إلا مرآة عاكسة لهذا العنف المنتج والمصدر للعالم على أنه الثقافة الواعدة في مستقبل البشرية.ليس مفهوما بتاتا كيف أن العالم هبّ لنصرة صحيفة شارلي إيبدو التي كانت تسيء لمشاعر المسلمين تماما من خلال تشويه صورة نبيهم، فأدان عملية القتل التي طالت صحفيي الجريدة، وهنا إذ نسجل اعتراضنا على الصحيفة وما قامت به، فإننا لا نبرر مطلقا ولا تحت أي ظرف من الظروف عملية القتل التي طالت الجريدة والعاملين فيها. وهو عمل مدان أيضاً، فالعنف ينبغي أن يرفض من أي جهة أتت إذا أردنا أن نكون منسجمين مع أنفسنا ومبادئنا وصادقين في رؤيتنا للأمور.عملية التضامن التي حصلت مع ضحايا الصحيفة وخروج الناس بالملايين وتحول باريس إلى قبلة الزعماء والقادة والملوك، من عرب وعجم، لتقديم التعازي وإعلان الوقوف صفا واحدا في وجه الإرهاب والعزم على استئصاله، كان يفترض أن يتكرر بعد ثلاثة أسابيع على حادثة تكاد أن تكون مطابقة تماما، بل أكثر ألما من حادثة شارلي إيبدو، فضحايا جامعة نارث كارولينا لم يرتكبوا جرما واحدا على الإطلاق وكانوا نموذجا للمهاجر الصالح والنافع لبلده الأم وللبلد الذي هاجر إليه، وقد قتلوا غدرا وغيلة ولم يتحدث أحد.يخرج الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ويعلن استنكاره لما حدث ويتساءل عن موقف الرئيس الأمريكي باراك أوباما، لماذا هو صامت؟ هل هذا يعني أن دماء المسلمين لا قيمة لها ولا تستدعي الاستنكار؟ ربما يتعجل أردوغان بإغضاب العالم الحر من تصريحاته، ولم يفهم بعد أن السياسات العالمية لا تقوم على حسن النوايا ولا على موازين العدل والمساواة بين الشعوب والأمم وإنما تحكمها ثقافة الهيمنة والسيطرة والتفوق وأشياء أخرى أنا على يقين أن القارئ يعرفها تماما وقادر على تحديدها أكثر مني.