13 سبتمبر 2025
تسجيلأعلنت الشرطة الأمريكية مقتل ثلاثة شبان مسلمين برصاص مسلح بعد اقتحام منزلهم في ضاحية تشابل هيل بولاية كارولينا الشمالية، في جريمة وصفت بأنها "عنصرية". وكشفت الشرطة عن أسماء الضحايا الثلاث، وهم ضياء شادي بركات، 23 عاما، وزوجته يسر محمد أبو صالحة، 21 عاما، وشقيقتها رزان، 19 عاما. وتم إلقاء القبض على كريج ستيفن هيكس، البالغ من العمر 46 عاما للاشتباه في ارتكابه جريمة القتل العمد بحق الشبان الثلاثة بعد اقتحام منزلهم. وتسود موجة من الغضب العارم وسائل التواصل الاجتماعي، حيث وصفت الجريمة بأنها "إعدام بدم بارد". كما نشرت مجموعة من صور الضحايا. مطالبات بالإدانة وشبّه النشطاء الجريمة بالهجوم الذي نفذ ضد صحيفة "شارلي إيبدو" بفرنسا، وطالبوا الرئيس الأمريكي والشخصيات الدينية بإدانة الجريمة. كما انفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بهاشتاج، أعرب فيه المسلمون وغير المسلمين عن استيائهم من تعامل وسائل الإعلام الغربية مع مقتل ثلاثة طلبة مسلمين بالولايات المتحدة على يد إرهابي عنصري. حمل الهاشتاج #Muslim Lives Matter بمعنى "حياة المسلمين تستحق الاهتمام"، وأعرب رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر العالم عن غضبهم من التجاهل الكلي لوسائل الإعلام الغربية لهذه الحادثة الخطيرة التي قتل فيها ثلاثة طلبة أبرياء، ليس لسبب إلا لأنهم مسلمون، من قبل شخص لم يطلق عليه أحد صفة "الإرهابي" وكأن هذه الصفة ملازمة فقط للمسلمين. الحادثة التي وقعت قبل أيام بمنطقة "كارولينا الشمالية" مرت مرور الكرام ولم تُعط لها أي أهمية من قبل وسائل الإعلام. فماذا لو أن مسلما قتل ثلاثة أشخاص غير مسلمين؟ هل كان سيصبح هناك نفس التجاهل؟. وتأسف هؤلاء أيضا من وصف القاتل بـ"المختل عقليا" وليس الإرهابي، في تمييز فاضح بين المسلمين وغير المسلمين لمّا يتعلق الأمر بالإرهاب، وذكّر البعض بحادثة الإرهابي النرويجي "أندريس بريفيك" والذي رغم قتله أكثر من 70 شخصا تنديدا بارتفاع عدد المسلمين في النرويج ولم تطلق عليه أبدا صفة الإرهابي. يتساءل الكثيرون عن الآليات والعوامل التي تحدد تعاطي وسائل الإعلام مع الإرهاب. فالموضوع ليس بالبساطة التي يتصورها معظمهم، إذ إن وسائل الإعلام هي مؤسسات ربحية تصنع مادة مهمة تساهم بدرجة كبيرة في تشكيل الوعي الاجتماعي والذاكرة الجماعية والرأي العام. فما تقدمه وسائل الإعلام للجمهور ليس شوكولاتة أو شامبو وإنما هو مادة تحمل في طياتها وثناياها قيما وثقافة وتاريخا وأيديولوجية. فالمؤسسة الإعلامية لها سياستها وأجندتها، فمجرد مقارنة بسيطة بين تعاطي الإعلام الدولي مع حادثة "شارلي إيبدو" وضحايا شابل هيل يدرك المرء أن بالنسبة لوسائل الإعلام الحدث غير بريء وتختلف أهميته من مكان إلى آخر. وحسب المنظرين وعلماء الإعلام والاتصال هناك نظريات عديدة تشرح عملية صناعة الخبر وفبركته وتقديمه للجمهور. فصانع الرسالة الإعلامية عادة ما يقوم بـ"تأطير" المنتج الإعلامي - وضع الخبر في إطار- وهذا يعني أن ما هو خبر لمؤسسة إعلامية معينة قد لا يعتبر خبرا لوسيلة أخرى. فالتأطير هو تلك العملية التي من خلالها يتم توظيف النص الصحفي للربط بين مختلف المعاني في عقل القارئ اعتمادا على العناصر المختلفة لهذا النص وذلك باستثارة معانٍ ودلالات وأنساق وأبنية معينة ومخزنة في ذاكرته تشكل إدراكه واستجاباته للمحتوى الإعلامي. فالتأطير هو الطريقة التي يُقدم بها النص الإعلامي من طرف الصحفيين من خلفيات ثقافية وأيديولوجية وثقافية واجتماعية ويحدد طريقة فهم وإدراك المتلقي للنص الإعلامي انطلاقا مما يخزنه من مفاهيم ومعانٍ حول هذا الموضوع أو ذاك. الإعلامي يقدم النص بطريقة "مبروزة" انطلاقا من خلفياته الثقافية والسياسية والدينية والقيمية وبطريقة تجعل المتلقي يتقبلها كما يريد المرسل وليس حسب مرجعيات المتلقي الذي يحدد طريقة الفهم لدى المتلقي هو المرسل من خلال التأطير الذي يحدثه للنص الإعلامي. فالتأطير هو التركيز على عناصر معينة من الخبر وإهمال عناصر أخرى أو كما أسلفنا تجاهل الحدث كلية. فعملية التأطير هي وضع الحدث في إطار محدد يتماشى مع قناعات الصحفي وفق سياسة المؤسسة الإعلامية والتجارية والاقتصادية وعوامل أخرى اجتماعية سياسية ثقافية أيديولوجية دينية... إلخ، وكذلك الأخذ بعين الاعتبار ما يروق ويتوافق مع الذاكرة الجماعية والثقافة السائدة في المجتمع. فالإطار هنا لا يسمح بالخروج عن المتفق عليه في المجتمع. فهناك على سبيل المثال قضايا وحوادث تقصى وتلغى من أجندة المؤسسة الإعلامية، لأنها لا تتناغم وتتناسق مع الإطار العام للمؤسسة. فبالنسبة للإعلام الدولي حادثة شارلي إيبدو جريمة إرهابية قام بها مسلمون وتجب تغطيتها بإسهاب، لكن في إطار محدد وهو ربط الجريمة بالإرهاب ووفق ظاهرة الإسلاموفوبيا والتخويف والترهيب من كل ما هو إسلام. كما لا يجب الكلام عن وفاة في نفس الحادثة شرطي عربي مسلم من أصول جزائرية وكذلك وفاة صحفي من أصل جزائري وهو عربي ومسلم يعمل في نفس الجريدة. كما تجدر الإشارة هنا إلى أن الإعلام الدولي أهمل تماما أن الذين قاموا بالجريمة، وهم مواطنون فرنسيون، من إنتاج المجتمع الفرنسي وهم ضحايا التهميش والبطالة والعنصرية والتمييز. قدم الإعلام الدولي حادثة شارلي إيبدو في إطار الثقافة السائدة في الغرب وهي الثقافة المناهضة للإسلام ولانتشار هذا الدين بسرعة فائقة في بلد يقوم على اللائكية والعلمانية وفصل الدين على الدولة. وهنا زوايا وخلفيات عديدة تجاهلها الإعلام الغربي أو لم يقحمها في عملية التأطير، حيث إنها لا تتلاءم وتنسجم مع الأفكار والصور السائدة في المجتمعات الغربية عن الإسلام والمسلمين. وهنا يجب التأكيد على أن الخبر ليس بريئا ولا يقدم للجمهور كما هو وإنما يُصنع ويُفبرك و"يُبروز" وفق معايير محددة. من جهة أخرى تناسى وتجاهل الإعلام الدولي تماما خلايا الإرهاب المتواجدة في الدول الأوروبية وكذلك 5 آلاف شاب أوروبي التحقوا بصفوف داعش والقاعدة. أما بالنسبة لحادثة شابل هيل بكارولينا الشمالية فالموضوع لا يستجيب لمقومات الخبر حسب الإعلام الدولي، فهو حادثة عابرة ولذا يجب المرور عليها مرور الكرام. لأن حيثيات الحادثة تناقض، جملة وتفصيلا، ادعاءات هذا الإعلام العالمي والغربي والتي تؤطر وتبروز الإرهاب على أنه يرتبط ارتباطا وثيقا بالإسلام والمسلمين والفكر المتخلف والمحافظ، فالأمر إذا يتعلق بتلاعب وتحكم منهجي فيما يقدم للجمهور وكيف يقدم ومتى يقدم. فقبل أكثر من 90 سنة كتب والتر ليبمان: "إن وسائل الإعلام تحدد لنا ما نراه من حولنا والواقع ليس كما هو، بل كما تراه هي وتحدده".