12 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرق بين الخير والشر

14 فبراير 2014

قبل أسابيع رحل رجل عظيم، رجل وهب حياته لمكافحة الظلم والعنصرية والاستغلال فأحبته شعوب العالم في الشمال والجنوب في الشرق والغرب، كل الأجناس والأعراق والديانات وحضر ما يقارب المائة رئيس دولة وحكومة إلى جنوب إفريقيا لتوديعه احتراما لما قدمه للشعب الجنوب الإفريقي وللعالم بأسره، من دروس في الصبر والقيم الإنسانية السمحاء من تسامح ومحبة وعدالة واحترام للآخر. نيلسون مانديلا حبيب الشعوب المضطهدة لم يقتل أحدا ولم يؤذ أحدا بل أحب الجميع بغض النظر عن ألوانهم وأعراقهم ودياناتهم ومعتقداتهم، بالابتسامة والأحضان والتواضع. أحبه الرجل الأبيض قبل الأسود وأحبه الجميع لأن مانديلا كان يحب الجميع، كان يحب السلام والفقراء والمساكين وكان ينبذ الظلم والاستغلال والعنصرية والتمييز بين دول وشعوب العالم. في المقابل، مات مؤخرا رجل عندما يذكر اسمه يذكر الإرهاب والقتل والبطش والمجازر والاستيطان والاستغلال والعنصرية.. رجل أحب إيذاء الآخر واستعمار الآخر وقتل واضطهاد الآخر. ثماني سنوات في غيبوبة وبعدها موت لرجل ترك وراءه مجزرة صبرا وشاتيلا وإرهاب دولة مقننا ضد أطفال فلسطينيين أبرياء، عزل، لا حول ولا قوة هم. هنا يتجسد الفرق بين الخير والشر، الاختلاف الكبير بين عظماء التاريخ وسفلائه. جاءت وفاة مجرم الحرب آرييل شارون، بعد أن دخل في واحدة من أطول حالات الغيبوبة، حيث دامت ثماني سنوات، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق "آرييل شارون" أحد أبرز المسؤولين الإسرائيليين وأكثرهم إثارة للجدل، قضى حياته في التنقل بين الجيش والسياسة، وترك وراءه إرثاً من الجرائم لم يبلغه أحد في التاريخ. "آرييل شارون" أصيب بسكتة دماغية تسببت في دخوله في غيبوبة استمرت 8 سنوات – منذ الرابع من جانفي عام 2006 حتى وفاته السبت 11/01/2014 – اتُهم بالمسؤولية عن جرائم عديدة منها مجزرة "قبية" 1953، وقتل وتعذيب الأسرى المصريين 1967، واجتياح "بيروت" ومجزرتا "صبرا" و "شاتيلا" واستفزاز مشاعر المسلمين باقتحامه للمسجد الأقصى سنة 2000، وكذلك مذبحة مخيم "جنين" 2002، والكثير من الاغتيالات ضد أفراد المقاومة الفلسطينية وعلى رأسهم الشيخ المجاهد "أحمد ياسين". لم يكن تعيين شارون على رأس الدبلوماسية الإسرائيلية مفاجأة أو أمرا غريبا على الأوساط السياسية المهتمة بشؤون وشجون الكيان الصهيوني ودولة فلسطين.. فنتانياهو مهّد للموضوع وكشف عن عدة مؤشرات كانت ترشح المتشدد والمتطرف والعنيد شارون لرئاسة الدبلوماسية الإسرائيلية.. تعيين شارون جاء في وقت كان رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتانياهو بحاجة لمن يقف إلى جانبه في مواجهة المعارضة الداخلية والرأي العام المحلي والدولي للتلاعب ببنود اتفاقية أوسلو خاصة وأن موعد مايو 1999م على الأبواب لتطبيق ما اتفق عليه. شارون عارض اتفاقية أوسلو جملة وتفصيلا وهو الذي جزم قاطعا أنه لا يصافح ياسر عرفات وهو الذي تفنّن في صبرا وشاتيلا في قتل آلاف المدنيين العزل الأبرياء، وهو الذي لعب دورا إستراتيجيا في بناء العديد من المستوطنات ونهب الكثير من أراضي الفلاحين الفلسطينيين الأبرياء. جاء تعيين شارون على رأس الخارجية الإسرائيلية في إطار إستراتيجية نتانياهو للخروج من بنود اتفاقية أوسلو وللتخلص من المعارضة الداخلية التي ترفض طريقة نتانياهو في تسيير شؤون الكيان الإسرائيلي والتي تريد الإطاحة بحكومته في أقرب الآجال. فحضور شارون قمة "واي بلانتيشن" كان على حساب عملية السلام وعلى حساب مفاوضات جادة وعملية، هدف نتانياهو هو دفع أقل وأرخص ثمن ممكن مقابل السلام في الشرق الأوسط.. وهنا بطبيعة الحال يلتقي كل من نتانياهو وشارون في الإستراتيجية والهدف. حيث إن نتانياهو كان يحاول دائما وأبدا إعادة قراءة وكتابة بنود اتفاقية أوسلو حيث كان يؤكد دائما على أن الاتفاقية تضر بأمن ومصالح إسرائيل.. ومن جهته، انتقد شارون مرارا وتكرارا ومنذ 1993م اتفاقية أوسلو.. شارون - والذي يمكن أن يلقب بالمقاييس المعترف بها دوليا أنه مجرم حرب - وصف اتفاقية أوسلو بـــ "الخطأ الكبير، الخطأ الأخلاقي، والخطأ العملي".. وبهذا إذن، فإن تعيين شارون على رأس خارجية إسرائيل لم يتم بهدف دفع عملية السلام إلى الأمام ولا بهدف تطبيق بنود اتفاقية أوسلو ولا من أجل تحقيق السلام الذي يرضي جميع الأطراف في الشرق الأوسط. وبعد خمس عشرة سنة في الخفاء وفي الظل رجع شارون إلى الواجهة والمجد، ورجع بقوة لأنه يتفق مع مسؤوله المباشر نتانياهو في الإستراتيجية وفي الأهداف.. فبعد أن أُبعد سنة 1983 من منصب وزير الدفاع بسبب وحشية أعماله ولمسؤوليته الكبيرة في مجزرة صبرا وشاتيلا يعود شارون ويؤكد أنه يعمل جاهدا على مساعدة "إنجاح سياسة إسرائيل من أجل السلام كما يعمل على الحفاظ على المصالح الأمنية والوطنية لإسرائيل"، وهذا يعني عدم التنازل عن شبر واحد من الأراضي المغتصبة ومن المستوطنات التي سُلبت وسُرقت من عشرات الآلاف من الفلسطينيين الأبرياء. شارون العدو اللدود للعرب ولكل ما هو فلسطيني عرف بمواقفه اليمينية المتطرفة ورفضه المطلق للانسحاب من 13 في المائة من الضفة الغربية، شارون تم تعيينه ليعزز المواقف المتطرفة من عملية السلام وليكون درعا واقيا لنتانياهو لمواجهة تهديدات اليمين المتطرف للإطاحة بحكومته وكذلك لضمان الانضباط داخل الليكود. وهكذا، وأمام غطرسة شارون ظهر نتانياهو أمام الرأي العام المحلي والعالمي إنسانا متوازنا ومعتدلا. شارون عبر تاريخه الحافل بالمجازر والمذابح والمواقف العدوانية من كل ما هو فلسطيني وعربي، أصر طوال حياته على الاستمرار في مشروع تهويد فلسطين ومسح إلى الأبد الهوية الفلسطينية من كل ما تحمله من تاريخ وحضارة وتقاليد وعادات، كما شملت خطة شارون شطب فلسطين من الخارطة الجغرافية.. شارك السفاح في معركة "القدس" ضد الجيش الأردني ووقع أسيراً في معارك "اللطرون" عام 1948، وقد أسره يومها النقيب "حابس المجالي" – المشير فيما بعد.. في الخمسينيات تولى قيادة مجموعة من القوات الخاصة أطلق عليها "الوحدة 101"، كان هدفها شن هجمات انتقامية للرد على العمليات التي يقوم بها الفدائيون الفلسطينيون عبر الحدود، إلا أن وحدة "شارون" العسكرية أثارت الجدل بعد مذبحة "قبية" في خريف 1953، والتي راح ضحيتها 170 من المدنيين الأردنيين، وقام بمجزرة بشعة في "اللد" عام 1948 استشهد على أثرها 426 فلسطينياً بعد أن اعتقلهم داخل المساجد.. وشارك "شارون" في كل الحروب التي خاضتها إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، وبرز كمخطط إستراتيجي، وقاد كتيبة مظليين في حرب "السويس" عام 1956 وترقى إلى رتبة جنرال، وفي حرب جوان 1967 تولى "شارون" قيادة قطاع في "سيناء"، ولعب دوراً هاماً في احتلالها، وبعد ست سنوات قامت مصر وسوريا بحرب أكتوبر عام 1973 لتحرير "سيناء" و "الجولان" المحتل، وقاد "شارون" فرقة إسرائيلية لفتح الثغرة التي تسببت بمحاصرة الجيش الثالث في "سيناء". فكم هو الفرق كبير بين شخص وهب حياته للحب والسلم والأمن والأمان وشخص ارتبطت حياته بالدماء والمجازر والقتل والتعذيب والإرهاب.