17 سبتمبر 2025

تسجيل

نصر ثورة مصر.. وحقيقة الفرح والفرج

14 فبراير 2011

شاء قدر الله – تعالى – إكراما لأهل الحق وشداة العدل والحرية في أرض الكنانة وأم الدنيا مصر المحروسة أن تفتح أبواب الفرح والفرج كبداية للدخول في حديقة السعادة والسرور والتخلص من مستنقع الكآبة والشقاء والحزن والشدة، وكان من كمال إعجاز القدر أن يتم كل ذلك بعد بذل الأسباب الموجبة من الجهاد المدني الذي مارسه الثوار على أعلى مستوى حضاري وذلك بفترة وجيزة جدا هي ثمانية عشر يوما لتقتلع ثلاثين عاما من الطغيان والقهر والاستبداد، وأسفر الصبح بعد هذا الليل العاتي البهيم وحق لأهل مصر والعرب والمسلمين والناس في العالم أجمع أن يفخروا ببهجة هذا اليوم البسيم الذي نتمنى أن يذهب معه البؤس الذي كان سيد الموقف في البلاد إلى غير رجعة ولا غرو ونحن ننطلق من نظرة إسلامية في التحليل أن نجد أنه من الواجب علينا أن نذكر بأن السنن الإلهية تقتضي هذا التبديل بالنسبة للسياسة والساسة في تعاطيهم مع الرعية عدلا أو ظلما حتى في نطقهم وكلامهم معهم وكما يقال: فكلمات الساسة حساسة وقد بدا لنا ذلك من خطابات مبارك المخلوع وكيف ألهبت الجماهير غضبا عليه بدل أن تهدئهم وترضيهم حتى لكأنه مصري ولكنه لا يعرف طبيعة المصريين أو يتغابى بل يتعالى عليهم. ولا يعرف الدهاء السياسي الذي يفضل أربابه أن يبقوا دوما مع شعرة معاوية رضي الله عنه ليلا ينفرط العقد بين الراعي والرعية ونحن عندما نقرأ في كتاب تهذيب الرياسة وترتيب السياسة مثلا للإمام محمد بن علي القلعي "ت 630 هـ من ص 94" عندما يؤكد أن نظام الدين والدنيا مقصود ولا يحصل إلا بإمام عادل يكون ظل الله المدود في الأرض يأوي إليه كل مظلوم كما قال عثمان رضي الله عنه "إن الله ليزع أي يردع ويمنع بالسلطان مالا يزع بالقرآن" قال القلعي: والسلطان العادل بمثابة السواد من العين بل بمنزلة السويداء من القلب وهو الأمين على الرعية فإن أدى الأمانة أدوها وإن رتع رتعوا كما قال عمر رضي الله عنه وذلك بعكس الإمام الخائن الجائر وقد دعا رسول الله كما في صحيح مسلم "6/7" للعادل ودعا على الظالم (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن رفق بهم فارفق به) ولعل ما فعله مبارك مع شعبه بل والعرب في التفريط والظلم والانحياز للأعداء على حساب ثوابت الأمة، خاصة القضية الفلسطينية وبالأخص حصار غزة يدل قطعا على أنه قد أشقى نفسه وشعبه وإن ظن أنه سعيد ثري زعيم محارب وطني صادق بل رئيس حزبه الوطني الحاكم الظالم وهنا أتذكر قول علي رضي الله عنه. من حكم ولم يفرط في الأمر عاش سعيدا وأتذكر قول سقراط: أعمل لسعادتي، إذا عملت لسعادة الآخرين لأنه بذلك يريح ضميره ولا سعادة تعادل راحة الضمير كما قال ابن باجة وكأني بطل مواطن مصري يقول ما قاله المفكر عباس محمود العقاد: أعطني بيتا سعيدا وخذ وطنا سعيدا فماذا أعطى مبارك شعبه غير الضياع والجوع ولنسأل الوطن! أفنعجب بعد ذلك أن يذله الله على رؤوس الأشهاد في مصر والعالم وإن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسقط بسقوطه نظامه الذي ظهر أنه أوهى من خيوط العنكبوت بعد هبة الشعب وثورة الأحرار، فأين الحراس وأين الأمن والتأييد الدائم الذي ادعوه حتى قدم مبارك تنازلات لم تكن متوقعة كاعتزامه عدم الترشح للرئاسة ثم تعديل بعض مواد الدستور وعدم التوريث لابنه جمال ثم تنازل أكثر ثم عاند وعزم ألا يتنحى مقدما تنازلات أكبر ليحل الأزمة مؤكدا أنه سيحيا ويموت في مصر، ولكن هيهات هيهات أمام زئير الأسود الذين كان أول مطالبهم تنحية وكانت جمعة الزحف بصلاتها ودعائها وتحديها، فإذا به يجمع حقائبه وأسرته ويمم شرم الشيخ منعزلا منهزما ثم لا يجد بدا من تجرع كأس الذل فيتنحى صاغرا مقهورا مع نائبه المعروف بمواقفه المرذولة الأمر الذي كان يستبعده العديد من المحللين وبعض حكام العرب الذين آزروه وهددوا حتى أمريكا كما يقولون ألا تسقطه ولا تهينه وأنها إن قطعت المساعدات عن مصر فإنهم سيعوضونها أي لأجل مبارك، ولكن الله غالب على أمره وهو الذي جعلهم يصرحون الآن بأنهم مع خيار الشعب وذلك بعد أن ضل سعيهم وخاب فألهم في حين كان الغربيون وكبار ساستهم وعلى طليعتهم الأمريكان وبعض البريطانيين كانوا يتوقعون ذلك بل قال الكاتب البريطاني جون برادلي كما ذكرت جريدة الشرق الأوسط الأحد أمس عدد "11765" أنه تنبأ بسقوط مبارك قبل ثلاث سنوات وبقيام ثورة شعبية نتيجة الظلم الهائل في مصر وكان يسخر منه الصحفيون الغربيون في تكهنه بعد نشره كتابا بعنوان (داخل مصر أرض الفراعنة على شفا ثورة) أي بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية على مدى 30 عاما أقول: ومن تابع مواقف الساسة الأمريكان الذين حرصوا على وضع مصر من قبل ومن بعد وكشفوا الساعات الحاسمة قبل تنحي مبارك يدرك عمق تحليل برادلي ودقته، لقد استطاع أسود ثورة مصر أن يغيروا المعادلة تماما من خلال صراعهم السلمي الحضاري حتى مع البلطجية الذين زحفوا عليهم بخيلهم ورجلهم في ميدان التحرير وآثروا إراقة دمائهم شهداء وجرحى من أجل الله والوطن فتمكنوا بذلك أن يكنسوا الذل والاستكانة حيث أراد مبارك وأن يلبسوا الأمة المصرية بل العربية ويتوجوها بالفخر والعز والصمود فطوبى لهم من رجال ونساء رقوا هامات الشرف والبطولة والمجد. لقد حق لهذا الشعب الذي برهن أنه لا صوت فوق صوته أن يفرح مبدئياً منتظرا كمال هذه الفرحة حين تتحقق جميع مطالبه من رفع حالة الطوارئ وتحقيق مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والإفراج عن معتقلي الرأي السابقين واللاحقين من أبطال الثورة وأن يعرف الجدول الزمني من قبل القيادة العليا للقوات المسلحة لتلبية بقية المطالب مثمنين تعليق الدستور وحل مجلسي الشعب والشورى ولكن لابد من التعامل المطمئن للجيش تجاه مطالب الشباب الذين لهم الفضل لأنهم المبتدي بذلك حتى وإن أحسن المقتدي بعد ذلك، كما أنه لم يكن من المناسب من بعض قوات الجيش الضرب والاعتداء لبعض المتظاهرين أمس في الميدان لإخراجهم جبرا بل يجب أن توجه هذه المواجهة للذين تسببوا بظلم الشعب في مصر ولأعداء الأمة من صهاينة ومتآمرين غربيين آخرين بأن وجههم الأسود وأنهم لا يهتمون إلا بمصالحهم في الأغلب مهما نادوا بالديمقراطية ولا أدل على ذلك من تناقض تصريحاتهم حيال الثورة، كما أشرنا في مقال الأسبوع الماضي، إن الفرح الذي يعني انشراح الصدر والفرج الذي يعني انكشاف الغم على ما حدده الراغب في المفردات "ص 628" لن يكتمل حقا حتى تتحرر ذات مصر والأمة العربية من كل من قتلوا الشهداء أو شاركوا في تعزيز مبارك حتى الحكومة الحالية فما هي إلا من تعيينه والإعلاميين الحزبيين الداعمين والذين أخذوا الآن يؤيدون القوات المسلحة وثورة مصر وما حالنا وحالهم إلا كما قال المتنبي: إذا اشتبكت دموع في خدود تبين من بكى ممن تباكى يحق لثوار مصر أن يفرحوا وإن لم تنجز ثورتهم كامل أهدافها ولكنه فرح الخطوة خطوة ولابد لمجلس الشباب الثوري من الحفاظ على الثورة من لصوص وسراق الثورات من أبناء الجلدة ولكن لن تكون فرحتنا حقيقية ما لم يقل الشعب كلمته الفاصلة مستقبلا في شأن السلام مع الصهاينة لا طمأنتهم كما جرى بين المشير طنطاوي ونتنياهو هاتفيا كما لابد من محاسبة السابقين ومحاكمتهم ثأرا للشهداء وإنصافا للشعب وليعلم الجميع أنه لابد من نصر مصر بالحق إذ من صارع الحق صرعه كما قال علي رضي الله عنه. [email protected]