20 سبتمبر 2025
تسجيلبحلول السبت القادم يكون الرئيس باراك أوباما قد حزم حقائبه مغادرا البيت الأبيض بعد فترتين رئاسيتين قضاهما متربعا على عرش الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الأعظم في العالم.. الأربعاء الماضي ألقى أوباما خطاب الوداع ولم يكن الرجل، رغم أجواء المغادرة أقل حيوية حين ألقى أول خطاب بعد أدائه القسم رئيسا.. لم يتمكن أوباما في البداية من بدء خطابه بسبب الاستقبال الحار من قبل الجمهور حتى قال: أرجوكم الهدوء ودعوني أبدأ خطابي وإلا تحولت إلى "بطة عرجاء". وهو تعبير يطلق في الولايات المتحدة على الرئيس الذي يفقد القدرة على التحرك الحر نتيجة سيطرة معارضيه على مجلسي الكونجرس أو أحدهما، وهذا ما حدث بالفعل لأوباما فحد كثيرا من فعاليته. في لحظات انفعالية تدفقت دموع الوفاء على خدي أوباما وهو يشكر زوجته وابنتيه مؤكدًا أنهم ضحوا من أجله وتحملوا ضغوط أضواء الرئاسة على مدى 8 سنوات.. أوباما بدا خائفًا على الديمقراطية الأمريكية من خلال عدة مؤشرات على عودة العنصرية إلى بلاده، وقد دافع بشدة عن حقوق المهاجرين، والمسلمين منهم خاصة، مؤكدًا على التعايش والتسامح والمساواة، ولعل الرجل يشير من طرف خفي إلى الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جاءت من دونالد ترامب إلى البيت الأبيض خلفا له وأبرز انتخاب ترامب كثيرا من مظاهر العنصرية البيضاء. وكان وجود أوباما على سدة حكم أكبر دولة قد أظهر "العنصرية الخفية" إلى الواجهة، وهناك نظرية تفترض وجود نوع خفي من العنصرية يظهر بصورة غير واعية لدى الأشخاص الذين يعلنون التزامهم بقيم المساواة. لم يدخل أوباما التاريخ كواحد من رؤساء أكبر دولة في العالم فحسب ولكن أيضا باعتباره أول رئيس أسود في تاريخ أمريكا.. عند تنصيبه رسميا في 20 يناير 2009، كان المشهد مبهرا وكاد ينطلق لسان البعض مهللين ومكبرين. يدفعهم شعور بأن الرجل بسمته (الأسود) وبجذوره المسلمة فيه الكثير الذي يمكن أن يجذبهم إليه وكان ذلك حال ملايين المسلمين والمستضعفين الذين كانوا ينتظرون بشغف يوما بعد يوم منقذا يحمل رايتهم ويتحدث باسمهم.. بيد أن كل ذلك لم يكن أكثر من (غيْضُ أحلام عزيزة وفيضُ أوهام عظيمة تكسرت). ظلت شخصية أوباما تثير الجدل انطلاقا من نقطتين أساسيتين: الأولى كونه أول رئيس أسود للولايات المتحدة. والثانية جذوره الإسلامية. وستظل حِقْبَة رئاسته للولايات المتحدة الأمريكية (يناير 2009 – يناير 2017)، حقبة ليست ككل الحقب الرئاسية التي تعاقبت على حكم أكبر دولة في العالم.ولد أوباما في العام 1961، في هونولولو، بهاواي لأب كيني مسلم وأم أمريكية بيضاء مسيحية من ولاية كانساس الأمريكية. وبعد انفصال والديه عاد الأب إلى كينيا، وانتقل أوباما مع أمه إلى جاكرتا صغيرًا بعد أن تزوجت طالبًا إندونيسيًا مسلما كذلك، وانتظم أوباما في تلك الفترة لمدة سنتين في مدرسة إسلامية ثم التحق بعد ذلك بمدرسة مسيحية كاثوليكية. لكن أوباما يصر على تأكيد مسيحيته باستمرار، وسط جدل كثيف ومستمر حول ديانته فيبدو أحيانا كثيرة وكأنه يدفع عن نفسه تهمة رغم أنه في مجتمع يؤمن نظريا بحرية الاعتقاد. في زيارة قام بها إلى ماليزيا دعا أوباما الإمام الأكبر هناك لأن يدعو له كي يستطيع وقف قمع المسلمين حول العالم. وكشف الإمام عن أن أوباما ردّد خلال زيارته لأحد المساجد عبارات مثل "إن شاء الله". وافتتح أوباما كلمة له بتحية الإسلام "السلام عليكم" (باللغة العربية) وذكر الآية القرآنية في سورة الأحزاب "اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا". كما استشهد أوباما أيضًا في موضعَيْن آخرَيْن من خطبته بآيتين أخريين.مهما طغى وتمدد اللون الرمادي على حقبة أوباما، فإن تجربة الرجل تظل تجربة فريدة باعتباره أول رئيس أسود له جذور إسلامية لأكبر دولة في العالم. ومقاييس والنجاح تحكمها هذه الخاصية وما يترتب عليها من عوامل؛ فاللون الرمادي قد يكون مرحلة متقدمة على اللون الأسود الذي ظل طاغيا على حقب من سبقوه من رؤساء وهذا من وجهة نظر المستضعفين من السود وشعوب دول العالم الثالث الذي يضم الدول العربية والإسلامية.