12 سبتمبر 2025
تسجيلتوجد أزمة حقيقية في إدارة القطاع الزراعي في مصر منذ عدة عقود، وتتفاقم الأزمة مجددا مع إعلان الحكومة عن خطتها الزراعية ونصيحة وزير الزراعة للمزارعين بعدم زراعة القطن قبل التأكد من ضمان تسويق القطن - ذهب مصر الأبيض- الذي يعاني من حالة الاحتضار، التي تباركها الدولة بعد قرار رفض الدعم عن القطن، هذا ما يعانيه القطن المصري بعد أن كان متربعا على عرش الأقطان العالمية في الأسواق الخارجية، مما ترتب على ذلك تدهور المساحات المزروعة، وفي ظل هذا التخبط وعدم قدرة الدولة على وضع سياسات تحفيز لزراعة المحاصيل التي نحتاجها محلياً أو للعودة لأسواق التصدير التي ضاعت ونحتاج إلى استعادته، وترتب على ذلك وواكبه إهمال صناعة النسيج التي ازدهرت في الستينيات والسبعينيات، وتميزت بها الصناعة المصرية، حتى أخذت مكانها على خريطة صناعة النسيج العالمية، إلى أن تدهورت مصانع الغزل والنسيج تدريجيا، بعد الإهمال المتعمد من المستثمرين لتجديدها وعدم تحديثها أو صيانتها، ولا ننكر أن هناك منافسة عالمية والقطن المصري يواجه حصارا من الأقطان الأخرى، خاصة الأمريكية المدعومة من الحكومة، الأمر الذي يتطلب وجود رؤية بعيدة النظر تستطيع دعم القطن المصري طويل التيلة - وهو ذهب مصر الأبيض - للصمود في الأسواق العالمية، وفي مواجهة هذه الحرب العلنية، التي تؤكد على أن كل قنطار قطن مصري يخرج من منافسة التصدير، يدخل مكانه قنطار قطن أمريكي مدعم، بعد أن عجزت السياسات الزراعية والحكومات المتعاقبة عن إنقاذ الزراعة واستعادة دورها في الاقتصاد وتوفير احتياجات السوق المحلي واستعادة أسواق التصدير، بعد أن تدهور المحصول الرئيسي بالنسبة للفلاحين على مر السنين، وصار في مهب الريح وأصبح مصدرا لهموم هذه الشريحة من المواطنين، خاصة مع عدم وجود تنسيق بين المصانع ووزارة الزراعة حول تقدير احتياجات السوق، وهل نحتاج إلى زراعة القطن قصير التيلة أو طويل التيلة؟ وما هي المساحة المطلوب زراعتها وما هي الأصناف التي تجب زراعتها من القطن وما هي البذور التي تتم زراعتها وهل نظل نستورد بذورا مصابة؟ وتفرض على الفلاح قهراً وإلزاما دون مبرر، وهي بذور لا تنتج إنتاجا جيداً ومحصولها بائس ومحدود، رغم أن الدولة هي المنسق العام بين كل الوزارات والسياسات التي تحقق صالح المجتمع بكل مكوناته البشرية والمادية، وهي المسؤولة عن هذا التنسيق وإلا ما هو دور الدولة، هل تجلس في مقاعد المتفرجين..؟ خاصة أن القطن صناعة وطنية كثيفة العمالة في الزراعة والصناعة، وتحتل صناعة النسيج المركز الأول في استيعاب العمالة والتي تصل وحدها إلى 32% من عمال قطاع الصناعة، ولكن تعرضت مصانع الحلج إلى عمليات هدم متعمد، من خلال بيع محالج القطن وتحويلها من نشاط حلج الأقطان إلى أنشطة بيع أرض وعقارات وبيع معدات المحالج في سوق الخردة (الأشياء القديمة وغير المستخدمة) وأن المحالج التي تنجو من البيع أو التصفية لا تصلح لتصنيع القطن المصري طويل التيلة، في حين يتم استيراد أنواع من القطن قصير التيلة الذي لا يتمتع بمواصفات القطن المصري طويل التيلة الذي يتمتع بشهرة عالمية جيدة، والذي يمكن أن تنشط معه عدة صناعات أخرى، مثل صناعة الزيوت والصابون والعلف الذي يسهم في تنمية الثروة الحيوانية، ومن ثم تغطية جزء كبير من احتياجاتنا من اللحوم والزيوت النباتية، التي يتم استيرادها سنويًا بمبلغ ملياري دولار، وهذه الأمور حولت زراعة القطن في مصر، من المصدر الرئيسي لدخل الفلاح إلى عبء على كاهله يرهقه، عاما بعد عام، مما يدفعه إلى العزوف عن زراعته رغم حاجته إليه. ومن هنا تأتي ضرورة السرعة في حل مشكلة القطن المصري – الذهب الأبيض - بالبدء بتحديث جميع مصانع الغزل والنسيج على مستوى الجمهورية، والتي يعرقل البنك الدولي وهيئة المعونة الأمريكية من تحديثها، وذلك حتى يمكن إنتاج غزل ومنسوجات صالحة للتصدير، وفي الوقت نفسه المساعدة في حل مشكلة الباحثين عن عمل، بالإضافة إلى الاهتمام بتطوير معهد بحوث القطن ليقدم حلولا في رفع إنتاجية الفدان، وأساليب الإرشاد الزراعي الحديثة مع التركيز على نقاوة الأصناف، وتحسين الجودة التي تمكننا من التنافس على المستوى العالمي، ولن يتحقق ذلك دون وضع إستراتيجية شاملة لتسويق القطن تراعي احتياجات المصانع المحلية من ناحية وعلى نصيب مصر من الصادرات العالمية من ناحية أخرى.والتصدي للمحالج التي تلجأ للقطن المستورد لرخص سعره بنسبة تصل إلى %50 بالمقارنة بالقطن المصري، الذي يحتاج إلى دعم من موازنة الدولة، لمواجهة القطن المستورد الذي نجح في عملية الإغراق التي تضر بالقطن المصري، خاصة أن بعض الدول المنافسة تسعى لوقف زراعة القطن المصري، وكذلك وضع آلية تسمح بتوفير القطن المصري لقطاع الغزل والنسيج بأسعار تتناسب مع اقتصادات التشغيل.وإنشاء صندوق موازنة الأسعار، للتدخل برفع سعر القطن ليحقق هامش ربح مقبولا للفلاح عند انخفاض الأسعار، وبحيث يصبح الأساس هو الاعتماد على القطن المصري وأن يقتصر استيراد الأقطان الأجنبية عند نقص المعروض للوفاء باحتياجات صناعة الغزل والنسيج، وإنقاذها من الانهيار في ذات الوقت.