12 سبتمبر 2025
تسجيلصليت؟ صلِّ كمان، وبعد الصلاة والسلام هل تسمح لي أن أشدك من كل ركضك، وآي بادك، والفيلم الذي تتابعه، والحسبة التي تحسبها، والسياسة وهمها، والرصاص، والقنابل، ولون الدم المقرر علينا مشاهدته صباح مساء؟ هل تسمح لي أن أقتحم وقتك ولحظتك المتعبة، أو الصاخبة، أو اللاهية، أو اللامبالية، أو المبالية إلى حد الوجع الصعب، لأقول لك بصوت خفيض أتعبه صداع الضغط، ودوخان السكر، اترك كل ما يشغلك، وتنفس بعمق ثم شم عطر اليوم، تنفس واملأ رئتيك من عبق يوم جاء فيه ذلك اليتيم الذي أبهج الدنيا ميلاده، وليشرق نور ما عرفته البرية من قبل، جاءنا اليتيم بنوره ليعلم الإنسانية كلها كيف تحيا، وتركنا على المحجة البيضاء بعد أن ترك لنا دستوره الذي لم يترك شيئاً بكل ما يحمل من مكارم الأخلاق، تفاصيل التفاصيل في حياة المسلم لم يتركها لصدفة أو اجتهاد، مد كفه الشريفة بكل ما يعيننا على حياة سوية، أجابنا على كل استفسار قبل السؤال، وعلمنا كيف التعامل الأمثل في كل مناحي الحياة، وأول التوجيهات (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، بخجل أسأل هل أحببنا على النسق النبوي لنؤمن حقاً؟ علمنا العدل ووجهنا إلى تحريم الظلم، فهل عدلنا ولم نظلم؟ علمنا أن (من غشنا فليس منا) فهل صفينا النوايا وتبعنا بياض السريرة أم شبعنا غشاً في بعضنا ابتغاء منافع دنيوية لا حصر لها؟ وصانا الحبيب ببِرِّ الأحبة أماً وأباً، فلماذا كان عقوقنا أعلى صوتاً من حبنا لهم، وعطفنا عليهم، وشفقتنا بهم؟ علمنا الحبيب أن نكون مخلصين مع من عاهدنا أو صادقنا أو ساعدنا أو وقف في محنة إلى جانبنا كأجمل ما يكون الإنسان، كيف رددنا على كل هذه الطيبة؟ على كل هذه المودة؟ بمجرد انتهاء المصلحة أو المنفعة أو المحنة، نتنكر لكل المودات بل وقد نقلب للأصدقاء الأحباء الكرماء ظهر المجن ببساطة مذهلة! نهانا الحبيب عن سواد النميمة فلم نمتثل بل لا يكاد مجلس يخلو من نميمة وغيبة ننهش بها لحوم الغائبين الغافلين، حتى إذا ما ظهروا فجأة قبلناهم قبلات المحبين المشتاقين! نهانا الحبيب عن كسر خواطر الضعفاء والمساكين فتجاهلناهم، وتعالينا عليهم، واشتغلنا في نفاق الوجهاء، وذوي السطوة والسلطة، علّنا نحظى بالمأمول! حثنا الحبيب على نظافة اللسان فشتمنا، وسببنا، ولوثنا، حثنا على محاصرة الغضب فغضبنا غضباً أحرق الأخضر واليابس ولم يترك مجالاً لود أو مصالحة! نهانا الحبيب عن الجبروت فتجبرنا، وعن الظلم فظلمنا، وعن الجشع فجشعنا جشعاً لم يرعوِ عن الاستغلال المقيت واستباحة كل ما تصل أيدينا إليه، وإن كان من جيوب مطحونة خاوية الوفاض، (انظروا إلى حال التجار وما يصنعون)، حثنا الحبيب على الأمانة كخلق قويم فكثر فينا المرتشون، والأفاقون، والحرامية، والفسدة، وأكلة مال النبي! حثنا اليتيم الجميل على التواضع فرفعنا أنوفنا فوق رؤوسنا ودخلنا مباراة (يا أرض انهدي ما عليكي أدي، وأنا عندي، وعندي، وعندي)، حتى حقوق الخدم لم يتركها، فأوصانا بإطعامهم مما نأكل ومساعدتهم إذا كثرت الأعباء! من منا مستعد أن يساعد الخدم؟ ومن منا حريص على أن يَأكل الخدم مما نأكل منه؟ حثنا الحبيب المصطفى على كل جميل قولاً وفعلاً، ونزه السلوك الإنساني عن كل ما يزري به لكنا في زمن الماديات تاهت منا نفوسنا، وعلا الطين على النور، وخذلتنا أخلاقيات مليئة بالعطب، والتشوه، والقصور، والكذب، والغل، والحسد، والكراهية، والنكران، ولم ننتبه لوصايا النموذج البشري الرفيع، للقيمة، للرمز، المنور الذي أضاء الظلمات، في مجتمع جاهل، متخلف، تحكمه العنصرية، والقبلية، البقاء فيه للأقوى! ما أكثر ما ترك لنا الحبيب، وما أكثر ما أوصانا، وما أكثر ما علمنا ذلك النبي الذي لم يشبع ثلاثة أيام تباعاً بدستوره الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة، ومضى الزمان، وركضت السنون لنرى كل ما حدثنا به محمد بن عبدالله صلوات الله عليه وسلامه، فها هي الظلمات بعضها فوق بعض، وها هو الهرج صباح مساء، وها هو القتل كثير، كثير، كثير، والحزن أكثر! نسترجع يوم مولد الحبيب صاحب الوسيلة والفضيلة سيرته المعطرة، منذ ولد وحتى لقي ربه، بعد أن أدى الأمانة ونصح الأمة آملين شفاعته، نسترجع لهفته اليوم وهو ساجد تحت العرش يقول يارب أمتي.. أمتي، وقد وقف الخلق في مشهد يوم عصيب، نسترجع رأفته، وخوفه على أمته ضارعاً إلى الله أن يرحمها، يا له من مشهد، ويا له من جحيم أو نعيم، صلوات الله وسلامه عليك يا حبيبي يا محمد يا نبي الرحمة. * * * طبقات فوق الهمس* على قبر الحبيب محمد مكتوب:روحي فداء لقبر أنت ساكنهفيه العفاف وفيه الجودُ والكرمُأي عفاف، وأي جود، وأي كرم!!* "يا ريت" ننتبه أن مولد الحبيب المصطفى ليس مختصراً في سرادقات حلاوة المولد، وعرايس الحلاوة، والحمصية، والسمسمية، يا ريت ننتبه وسط برك الدم، ومع صوت طلقات الرصاص، وضياع الأمان، والترويع، ولفظ الأنفاس.. إلى هدي محمد بن عبدالله الذي يقول (من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة، لقي الله مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله) ويا هوانه.. ذلك اليائس من رحمة الله!* هناك قلوب لا تعرف أن تكره مهما ظلمتها، وقلوب لا تعرف أن تحب مهما أكرمتها.* كن عزيزاً، وإياك أن تنحني مهما كان الأمر، فربما لا تأتيك الفرصة كي ترفع رأسك مرة أخرى!!.