17 سبتمبر 2025

تسجيل

السياسة.. مفاهيم شعبية ونخبوية

14 يناير 2013

للسّياسة بمعناها "الرفيع" علاقة جوهرية بالإعلام لا تنفصم عروتها ومن الصعب تصّور أحدهما دون الآخر، أو قيامه بوظائفه بمعزلٍ عنه.. السياسيون ينظرون إلى الإعلام من زاويتين مختلفتين: الأولى تقوم على رسالية الإعلام أي اعتماد أسلوب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة حيث خطاب العقل الذي يقوم على أساس الحقيقة، ورفض الكذب والتشويه والسعي للحقيقة بمنطق المناقشة الذي يؤدي إلى الاقتناع حيث تقرع الحجة بالحجة بحرية كاملة.. أما الزاوية الثانية على غير ذلك حيث الاستغلال (البشع) للإعلام كما هو الحال في أمريكا والغرب.. فها هو المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي يشير إلى تلك الحقيقة فهو يرى أن الإعلام يخدم مصالح الدولة وسلطان المؤسسات الكبرى، ويؤكد أنها مصالح ترتبط معا برباط وثيق، ويقول إن الإعلام يؤطر تقاريره وتحليلاته بطريقة تدعم الامتيازات القائمة وتحد من النقاش والبحث تبعا لذلك. العلاقة بين الإعلام والفعاليات السّياسية والديمقراطية تتصف بالتكامل والتفاعل المستمر والتأثير المتبادل، مما يجعلها تشكّل فيما ما بينها مثلثاً متساوي الأضلاع والأهمية. فالإعلام جزءٌ لا يتجزأ من العملية الديمقراطية، وضمانة أساسية لقيام وحيوية النهج الديمقراطي واستمراره في المجتمع. والنظم السّياسية أو الحزبية تعتبر الوسيلة الأهم لتنظيم الجماهير وحشدها لاتخاذ مواقف محددة تجاه قضايا مجتمعية مشتركة. مما يجعل عملية تكوين الأحزاب ونشاطها السّياسي ومشاركتها في العملية الانتخابية من صلب العملية الديمقراطية ومن أهم مظاهرها على أرض الواقع.. في ظل التقدم الهائل في ثورة الاتصال قام الإعلام بالاستيلاء على الدور التقليدي للحزب في المجتمع بعد أن كانت وسائل الإعلام أداة طيعة في أيادي السلطات السّياسية. عُلماء السّياسة والاتصال السّياسي والاجتماع السّياسي اهتموا بدراسة التفاعل بين الاتصال والنظام السّياسي والعملية السّياسية بصفة عامة، وأكدوا على العلاقة الجوهرية بينهما، بل إنهم نادوا بإعادة دراسة وتحليل العلوم السّياسية بالاعتماد على نظريات الاتصال.. عندما تركّز وسائل الإعلام على حدثٍ معين فإنها تدفع الجمهور للنظر إلى هذا الحدث باعتباره حدثًا مهماً. وبذلك فإن وسائل الإعلام تُخبر الجمهور بالشؤون السّياسية وتؤثر في إدراكه للأهمية النسبية التي تمُنح لهذه القضايا. من جهة أخرى يعتقد البعض يقينا أن لا فرق بين السياسة والنفاق؛ فالاثنان وجهان لعملة واحدة، بل إن النفاق مرتكز أساس تقوم عليه السياسة.. ثقافة النفاق السياسي تنتشر في المجتمعات التي تدعي الحضارة والتمدن رغم مستوى التعليم في تلك المجتمعات بيد أن التعليم ليس بالضرورة أن يقود إلى ثقافة حضارية.. عموما فإن النظام السياسي مسؤول عن الثقافة السائدة في المجتمع، فهو على الأقل الذي يدير العملية التعليمية والثقافية الرسمية في مجتمع من المجتمعات. صديق عزيز بعث إلى برسالة ساخرة يشرح فيها معنى السياسة ويبدو أنها رسالة يتم تداولها بشكل واسع.. ولخص صديقي الأمر في حوار جرى بين ابن وأبيه.. والأبناء في مرحلة عمرية معينة تزداد التساؤلات لديهم في محاولة لاستكشاف ومعرفة ما يدور حولهم.. ذلك الولد الشقي سأل أباه قائلا: ما معنى السياسة يا أبي؟. فأجابه: لن أخبرك يا بني لأنه صعب عليك في هذا السن.. لكن دعني أقرب لك الموضوع.. أنا أصرف على البيت لذلك فلنطلق علي (أنا) اسم الرأسمالية.. وأمك تنظم شؤون البيت سنطلق عليها اسم الحكومة.. وأنت تحت تصرفها لذلك فسنطلق عليك اسم الشعب.. أما أخوك الصغير هو أملنا فسنطلق عليه اسم المستقبل.. أما الخادمة التي عندنا فهي تعيش من ورائنا فسنطلق عليها اسم القوى الكادحة.. اذهب يا بني وفكر عساك تصل إلى نتيجة.. في الليل لم يستطع الولد الشقي أن ينام.. فنهض من نومه قلقاً وسمع صوت أخيه الصغير يبكي فذهب إليه فوجده قد بال في سريره.. فذهب ليخبر أمه فوجدها غارقة في نوم عميق ولم تستيقظ وتعجب أن والده ليس نائما في نفس الغرفة كما جرت العادة.. فذهب باحثاً عن أبيه.. فاقترب من غرفة الخادمة فسمع أباه يتبادل معها أطراف الحديث.. بالطبع لا يهم الولد إن كان الحديث بريئا أم غير ذلك، لكنه في أحسن الأحوال أمر غريب وغير طبيعي. في صبيحة اليوم التالي قال الولد الشقي لأبيه: لقد عرفت يا أبي معنى السياسة.. فقال الوالد: وماذا عرفت يا بُني؟. فقال الولد: عندما تلهو الرأسمالية بالقوى الكادحة تكون الحكومة نائمة في سُبات عميق فيصبح الشعب مُهملا تماما ويصبح المستقبل في خبر كان.