11 سبتمبر 2025
تسجيلكم هي قليلة لحظات التألق الحضاري – إن صح التعبير – التي عشناها في مجتمعاتنا العربية والإسلامية في عصرنا الحديث أمام سطوة الإرادة السياسية الدولية والإقليمية.. لا أعني هنا سياسات الحكومات والدول، وإن عبرت عن هوية الأمة وقيمها أحياناً في بعض القضايا والمواقف، إنما أقصد حركة المجتمعات التلقائية التي تعكس المنظومة القيمية الراسخة في وجدانها، وتعبر عن الضمير الجمعي المستقر في نفوسها.. هكذا جاء رد فعل المجتمع القطري بكل مكوناته مواطنين ومقيمين، رداً على الهجمة الإعلامية الغربية الشرسة التي طالت قيمنا وهويتنا، فرأينا مبادرات مجتمعية على بساطتها وعفويتها تعكس قوة هذه الأمة الناعمة، متمثلة في ذاتيتها المستقلة التي تأبى الذوبان في فلك قيم المجتمع الغربي المنتصر والتقليد الأعمى لعاداته وأحواله وسلوكياته متى تناكرت لقيمنا ومبادئنا. مبادرات عفوية بسيطة تقول للعالم أجمع نحن أمة تملك إلى جانب الحضارة والتاريخ منظومة قيمية تستطيع أن تصنع حاضرها وتبني مستقبلها، ننفتح على الجميع لكن لا ننقاد ولا نعظم من تقاليد وعادات وشعارات الغرب المنتصر إلا ما توافق مع ذاتيتنا وهويتنا. شاهدنا حركة عفوية من الجماهير البسيطة وقد استبطنت ما يمليه عليها الشأن العام من واجب التحرك لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التي لم تنل في حقيقتها من قطر وحدها وإنما نالت من قيم الأمة وثوابتها، فقاموا بتلقائية بالترحيب بجماهير المونديال من الجنسيات الأجنبية مقدمين لهم ما يستطيعون من سبل المساعدة، فرأينا شابا فلسطينيا يساعد ابنة "تيتي" المدير الفني للبرازيل ويحمل حفيده النائم من الملعب حتى عربة المترو من غير سابق معرفة. وشاهدنا قطريين يفتحون بيوتهم ومجالسهم للترحيب بالجماهير الأجنبية التي رأوها لأول مرة، ورأينا مبادرات شبابية للترحيب بضيوف قطر في الملاعب والمناطق الترفيهية ويقدمون الضيافة لهم، وشباباً يخرجون وقت المباريات لحمل الجماهير الأجنبية بسياراتهم أو توجيههم لأقصر الطرق وصولاً للملاعب، وغيرها من المبادرات الشعبية التلقائية التي انطلقت دون توجيه وأرادت أن تعكس الصورة الحقيقية لمجتمعاتنا العربية والإسلامية في مواجهة حملات التشكيك والتشويه، وكلها مبادرات أرادت توجيه رسالة لجماهير العالم مفادها أن هؤلاء هم العرب والمسلمون على حقيقتهم وليس ما تقرأونه أو ترونه في الإعلام. لقد أحيت هذه المبادرات البسيطة الأمل وأعادت الثقة لنا جميعاً – كعرب ومسلمين – أننا نستطيع أن ننجح متى امتلكنا مقومات النجاح وأدواته وعملنا له، ويمكننا تكرار هذا النجاح في مجالات أخرى نفرض فيها احترام العالم لإرادتنا ومشروعنا الحضاري وقضايانا العادلة. كما أحيت فينا الأمل أننا – على اختلاف مشاربنا وأيدولوجياتنا – يمكن أن ندير اختلافاتنا ونجتمع على مشروعٍ مشترك ننجح فيه، فشاهدنا تحت هذا الهدف – نجاح المونديال – أصحاب قضية الدعوة إلى الإسلام ينجحون في تقديم نموذج حضاري لدعوتهم دون شطط ترك عظيم الأثر في الجمهور، كما رأينا من كانت القضية الفلسطينية محور حياتهم يدعون لها بشكلٍ ناعم بسيط يذكر العالم بقضيتهم ويشدهم لها بغير تعسف، ورأينا من كانت قضية الحفاظ على الهوية شغله الشاغل كيف نجح في بسط قضيته دون تكلف، وذلك في إطار مساحة الحرية التي تركتها الدولة المضيفة وتحت هدفٍ واحدٍ توافق عليه الجميع هو إنجاح المونديال العربي الأول. فهل يمكننا تكرار هذه النجاحات قريباً في قضايا ومجالات أخرى نحن في أمس الحاجة إلى النجاح فيها؟!