19 سبتمبر 2025
تسجيلمن القصص التاريخية المشهورة التي جاءت عن الإمام أبي حنيفة، أنه كان في درس علم مع تلامذته، وكان الإمام يمد قدميه أثناء الدروس للآلام في ركبتيه، وبينما هو كذلك في يوم من الأيام، إذ دخل عليهم رجل صاحب لحية كثة وملابس بيضاء نظيفة وكان مظهره يدل على الوقار والحشمة. اعتدل أبو حنيفة في جلسته وضم قدميه احتراماً للرجل الذي جلس بين التلاميذ يستمع، وواصل تقديم الدرس حتى استأذن الرجل الوقور وسأل الإمام سؤالاً وقال: متى يفطر الصائم؟!، للوهلة الأولى، خشي أبو حنيفة أن يكون في سؤال الرجل خدعة، فربما يكون شيخاً عالماً كما دل على ذلك مظهره.. فقال بحذر: يفطر الصائم حين تغرب الشمس.. فقال الرجل: وإذا لم تغرب الشمس؟!.ها هنا اطمأن أبو حنيفة على الفور، الذي خاب ظنه في الرجل، ومدّ قدمه مرة أخرى وقال قولته المشهورة: "آن لأبي حنيفة أن يمد قدميه".بغض النظر عن دقة أو صحة القصة وتفاصيلها، فإن الشاهد منها هو ذاك المعنى العظيم فيها، المتمثل في أهمية التنبه إلى المظهريات أو القشر الخارجي للإنسان حال الرغبة في الحكم عليه، فالمرء منا كثيراً ما ينخدع بتلك المظهريات وخاصة في علاقاته مع الآخرين، ذلك أن المظهر ليس مؤشراً كافياً للحكم على الآخر، وإن كان يفيد في استكشاف بعض جوانب الشخصية وليس كل الشخصية.كم من أناس، كما في القصة، ينخدع المرء بمظهرهم الخارجي، ويبني على ذلك أموراً كثيرة حتى تُظهر له النتائج زيف تلك المظاهر، ولكن من بعد فوات الأوان في غالب الأحيان. نعم، المظهر مهم ومطلوب تحسينه على الدوام، مادياً ومعنوياً، وبذل كل جهد ممكن في أن يكون الظاهر كما الباطن.. وعلى الرغم من أن هذا ليس بالأمر السهل، لكنه ليس بالمستحيل أيضاً.. فكما يحرص أحدنا على نظافة ونقاء مظهره، فالأولى أن يكون باطنه بالنقاء والصفاء نفسه، ومهما حاول أحدنا أن يخفي أمراضه القلبية من غل وحقد وحسد وسوء ظن بالغير، ويحاول الظهور بمظهر عكس ما بباطنه، فإنه لن يقدر على ذلك وإن طال الزمن.