15 ديسمبر 2025
تسجيلانعقدت القمة الـ35 لمجلس التعاون الخليجي في العاصمة القطرية الدوحة في ظروف استثنائية تتميز بتحديات جسيمة كالإرهاب وظاهرة داعش والتعامل مع مصر والملف الإيراني والملف اليمني ودور تركيا الإقليمي في المنطقة وانخفاض أسعار النفط. وهذا ما يعني أنه لا مجال للصراعات والنزاعات والخلافات الداخلية ولا مجال لتشتيت القوى والصفوف داخل المجلس. فالقمة جاءت لتدشين مرحلة جديدة من التضامن والتكاثف والتلاحم الخليجي وتؤكد ضرورة تقديم مصلحة المجموعة على العمل الانفرادي والعمل وفق إستراتيجية واحدة من أجل مواجهة المشاكل التي تواجه الدول الست. فالاختلاف لا يفسد للود قضية وأهم شيء هو الحوار والتفاهم والعمل بإستراتيجية موحدة في إطار المصلحة العامة. انتهت القمة الخليجية الخامسة والثلاثون المنعقدة في الدوحة بعد عودة العلاقات الخليجية إلى طبيعتها، ملف الإرهاب من الملفات الصعبة والمعقدة والشائكة التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد السياسي والأمني، بسبب ما تواجهه دول الجوار العربية، اليمن، العراق وسوريا من متاعب ومشاكل صعبة تقوض وترهق الاقتصاد والوحدة الوطنية والنسيج الاجتماعي. فما يجري هذه الأيام في المنطقة يجعل الحاجة ضرورية وماسة لمزيد من التكاتف والتنسيق والتعاون، بل وتفعيل الخطط والاستراتيجيات لمواجهة هذا الخطر على جميع الأصعدة. فالإرهاب لا يرحم ويضرب في أي مكان وفي أي زمان وبدون سابق إنذار، ولا توجد دولة في العالم بمنأى عنه. تحد آخر من التحديات التي تواجهها دول المجلس يتمثل في انخفاض أسعار النفط وتأثير ذلك على دول الخليج التي تعتبر من أكبر الدول المنتجة وأكثرها اعتماداً عليه، ما يعني حاجتها إلى مراجعة رؤيتها في هذا الملف لتفادي أي انعكاسات سلبية قد تؤثر في المشاريع المستقبلية. الظروف التي انعقدت فيها قمة الدوحة استثنائية أيضاً على الصعيد الأمني، ونقصد بالدرجة الأولى الأمن الاجتماعي الذي لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال الوحدة والترابط بين دول مجلس التعاون كأفراد ومجتمعات، لأن ترابط النسيج الاجتماعي هو الذي يؤدي إلى ترابط أوثق في مواجهة أي تحديات تواجه هذه الدول أو تحاول المساس بأمنها. التحديات الكبيرة اليوم لا يمكن مواجهتها بالقوة العسكرية والنفوذ الاقتصادي فقط، بل تحتاج إلى خارطة طريق وأطر تعمل من خلالها دول المجلس بشكل متكامل مع دول أخرى تشترك معها في المصالح والأهداف، مما يضاعف من قدراتها في التأقلم والتكيف مع التطورات والمعطيات الجديدة. دول مجلس التعاون الخليجي أكثر من أي وقت مضى مطالبة بالتنسيق والعمل المشترك من أجل تحقيق الأمن ومكافحة الإرهاب الذي يعد التحدي الأكبر للعالم بأكمله. ربما تعتبر قمة الدوحة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، واحدة من أهم القمم التي عقدت في تاريخ مجلس التعاون. وهذا ليس فقط لحجم القضايا المطروحة عليها، بل أيضاً لأنها تدشن مرحلة جديدة من التضامن والتكاتف الخليجي، الذي مر بمرحلة صعبة، واختلافات كادت أن تعصف بالمجلس وفعاليته وانسجامه ووحدته. فقمة الدوحة جاءت بعد اتفاق الرياض الذي أعاد للبيت الخليجي وحدته وتلاحمه. فالقمة قضت على كل الشكوك التي كانت تراهن على عدم انعقادها وانهيار العلاقة بين أعضاء المجلس. رغم أن هناك كلاما عن تساؤلات بخصوص انتهاء الخلافات أم أن ترسباتها مازالت قائمة وقد تعود الخلافات وتعود الأزمة إلى ما كانت عليه قبل القمة. من جهة أخرى هناك من يرى أن قرارات القمة لم ترق إلى ما كان يُنتظر منها حيث إن البعض اعتبر مجرد انعقاد القمة نجاحا كبيرا. من جهة أخرى يرى البعض أن الكلام في قمة الدوحة أصبح يركز على مشروع الاتحاد الخليجي الذي طالبت به المملكة العربية السعودية في العام الماضي والذي يعتبر مرحلة متقدمة من أداء المجلس ونضجه. من أهم توصيات القمة الدعم التام لمصر ورئيسها عبد الفتاح السيسي في خطوة تؤكد انضمام قطر للقاطرة الخليجية، خاصة أن هذا الموضوع هو الذي أثار الخلاف الكبير بين أعضاء المجلس، فلمدة تسعة شهور عاش المجلس حالة من التوتر والشد والجذب بين أعضائه، لم يسبق أن عاشها منذ إنشائه عام 1981. ولكن قادة الخليج أدركوا أنه لا خيار لهم إلا توحيد الصف وتفعيل العمل المشترك والمضي قدما تحو التنسيق الاستراتيجي بين دول الأعضاء وفي جميع مجالات الحياة خاصة الأمنية والاقتصادية. الخليجيون تجاوزوا الأزمة الأصعب في تاريخ كيانهم التعاوني، بمبادرات ذكية ومهمة قادها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الأمر الذي أعاد التفاؤل إلى روح المجلس وأدى إلى زيارة مهمة قام بها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي للدوحة، والتي أعادت الدفء إلى العلاقات. التحديات كبيرة ومعقدة من أهمها ملف الأمن والانتقال إلى مرحلة الاتحاد الخليجي كخيار يفرض نفسه، ويعزز من قوة وتأثير المجلس إقليميا ودولياً. على الصعيد الإقليمي، هناك تحديات كبيرة جدا من أهمها النفوذ الإيراني وبرنامجها النووي، وتوسع دور تركيا كقوة إقليمية في المنطقة، وغياب دول العمق العربي.. جميع هذه العوامل تجعل منطقة الخليج مهددة بشكل مباشر أو غير مباشر، ولذلك لا مجال للخليجيين إلا أن يعززوا ترابطهم السياسي والاقتصادي والعسكري. وخطوة إنشاء قيادة عسكرية خليجية موحدة وقوة بحرية، تأتي ضمن هذا السياق، الذي يهدف إلى بناء منظومة دفاعية مشتركة، لتحقيق الأمن لدول المجلس، ويصب في مشروع الانتقال إلى الاتحاد. لكن المرحلة تتطلب من أعضاء المجلس أن يكونوا أكثر سرعة في تنفيذ المشاريع وترجمتها إلى واقع، والمبادرة إلى الإطار الوحدوي الذي يبني الأرضية الصلبة لدوله، ويعطي رسالة اطمئنان للداخل والخارج معا. لقد كشفت التغيرات التي هبت رياحها على العالم العربي في الأعوام الثلاثة الأخيرة، خطورة التهديدات الداخلية وتأثيرها في الشعوب وقناعاتها. فحركات الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة تحاول دائما استغلال أي فرصة تتاح لها لتحقيق أهدافها والوصول إلى الحكم بالتخويف والترهيب والجرائم التي يدينها الدين الحنيف قبل القوانين الوضعية وكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. فالخطر الأول للإرهاب هو ضرب الأمن والاستقرار واللحمة الوطنية والتلاحم الاجتماعي. بالنسبة للملف الإيراني، المجلس بحاجة إلى إستراتيجية واضحة المعالم للتعامل مع هذا الملف الذي تتنازع خيوطه الولايات المتحدة الأمريكية من جهة وروسيا من جهة أخرى. وبالنسبة لدول المجلس فإن الجار الإيراني ينبغي عليه احترام الشرعية الدولية واستخدام برنامجها النووي لأغراض سلمية. فالمجلس أُسس ليبقى والمخاطر التي تحيط بالمنطقة تتطلب تكثيف الجهود وتجاوز الخلافات والتركيز على العمل الاستراتيجي المشترك.