31 أكتوبر 2025
تسجيلاتهامات كثيرة تلاحق زعيم حزب الأمة السوداني الصادق المهدي من التعاون مع إسرائيل لتفتيت السودان وفقا لتصريحات الرئيس عمر البشير، إلى اتهام منظمة العدل والتنمية، إحدى المنظمات المراقبة للأوضاع بالشرق الأوسط، له بالتخطيط للإطاحة بالنظام بدعم وتنسيق مع دول عربية. لا يكترث المهدي كثيرا بقدر ما يكترث للحال الذي وصل إليه السودان والعالم العربي الذي تموج به رياح التطرف، ففي لقاء جمعنا به في مصر، يرى المهدي أن سبعة تقاطعات تنخر حاليا جسد الأمة العربية والإسلامية، أبرزها، الإسلامي - العلماني، والسني- الشيعي، والإخواني- السلفي، والصوفي- الحركي، داعيا إلى الوعي والحكمة في معالجة هذه التقاطعات، لأن بقاءها سيمزق الأمة.لا يكتفي بتشخيص الداء الذي يغزو الأمة، بل يسعى لإيجاد حلول، على ما يقول، عبر منتدى الوسطية الذي يرأسه، حيث يجهز الأخير لمؤتمر عالمي لمناقشة التقاطعات التي ظهرت بين المسلمين.معني هو بواقع الإسلام السياسي ومستقبله في العالم العربي، ويرى أن الإخوان فشلوا في إدارة البلدان بعد الربيع العربي، لكن عملية القضاء عليهم، فضلا عن أنها خاطئة، سيكون مصيرها الفشل تماما. فالحركة التي أسسها حسن البنا في عشرينيات القرن الميلادي الماضي كانت أكثر الحركات التي دعت إلى الالتزام بالمرجعية الإسلامية واستصحاب التحديث فاعلية من حيث المد الحركي والتنظيم وخوض غمار العمل السياسي. وبتأثير من مقولات مرشدها الثاني الهضيبي صاحب كتاب (دعاة لا قضاة) التزمت الحركة الاعتدال، ولكن اجتهادات الإسلاميين في بيئة التطرف الهندوسي أدت إلى اجتهاد أبو الأعلى المودودي، وبيئة القمع الناصري أدت إلى اجتهادات سيد قطب وكتابه الأشهر (معالم في الطريق).والحركات الإسلامية تحتاج بإلحاح لتقييم التجارب وإجراء المراجعات بعد التجارب الكثيرة التي خاضتها، على أن تنطلق المراجعات من تجاربها، لاسيَّما ذات المرجعية الإخوانية في مصر، والسودان، والجزائر، وتركيا، وتونس، وغيرها، على قاعدة: 1. التمييز الوظيفي بين جماعة الدعوة وجماعة السياسة، فجماعة الدعوة تخاطب المسلمين وجماعة السياسة تخاطب المواطنين.2. تجنب الأحادية والتمكين اللذين أفشلا التجربة السودانية، وخوفا من تكرارها فشلت التجربة في مصر. 3. الاهتمام بدروس التجربة التركية والتجربة التونسية، إن الأحادية والتمكين يؤديان للفساد والاستبداد الذي يجسد التطرف ويؤدي حتماً لتطرف مضاد، فالاستبداد هو التفرد بالشيء وعدم السماح للآخرين بالمشاركة فيما لهم من حقوق شرعية أو إنسانية أو أخلاقية. 4. من أهم الدروس المستفادة الحرص التام على تجنب العنف بالحجة الميكافلية.وإذا كانت جماعة الإخوان بفروعها عقدت مؤتمرا نقديا عام 1989م لتقييم تجاربها السياسية، فالأجدر بها أن تكرر هذا الفعل مرة أخرى، وأن تصل المراجعات إلى القناعات التالية: 1. الاعتراف بارتكاب أخطاء محددة. 2. ضرورة الفصل بين جسم دعوي لا يعمل بالسياسة وجسم سياسي مفتوح لكل من يؤيد برنامجه. 3. الاعتراف بالواقع الراهن واكتساب شرعية للعمل السياسي تحت مظلته التعددية.ما لم يجر هذا التراضي الوطني في مصر، فإن الاستقطاب الحاد سوف يفرز تطرفاً يفتح أوسع الأبواب للغلو. يرى المهدي أن مسرح المواجهة الرئيسي في مصر اليوم فحواه صدام علماني إخواني. هذا الصدام لا يمكن حسمه عسكريا، فإذا اتجه الحكم في مصر إلى اجتثاث الإخوان كجماعة إرهابية وتحالف الإخوان مع فصائل من شباب الثورة سوف تشهد مصر مفاصلات نتائجها التضحية بالديمقراطية، وبالوحدة الوطنية وبالتنمية. هذا الموقف سوف يغذي التطرف في الجانبين، وما لم يحدث توافق بين القوى الإسلامية المعتدلة والنظم العربية القائمة فإن داعش ستجتاح الجميع، ولن يكون هناك مكان لأي نوع من الاعتدال، والمصير سيكون مجهولاً للجميع. بهذا يختم الصادق المهدي وصفته الطبية لإصلاح الوضع السياسي بين الحركات الإسلامية ومجتمعاتها والنظم التي تعمل داخلها. فهل سينجح الصادق المهدي في تحقيق مشروعه عبر منتدى الوسطية بتجنيب العالم العربي المزيد من الحرائق، والسؤال الأبرز هل حركات الإسلام السياسي تجد أنها قد أخطأت في الحكم حتى تجري مراجعات عميقة لأدبياتها وأدائها السياسي؟ وهل الأمر يقتصر على الحركات الإسلامية أم يحتاج إلى وجود أنظمة لديها استعداد لتقبل الديمقراطية والتعددية السياسية؟!.