19 سبتمبر 2025
تسجيلالأنظمة الديكتاتورية في عالمنا الثالث، من آسيا إلى إفريقيا وحتى أمريكا الجنوبية، تصد عن شعوبها كل سبيل إلى حياة تتوفر فيها الحدود الدنيا لحقوق الإنسان، لتتمكن من التخلص من ثالوث، الفقر والجوع والمرض، بل وتمارس العنجهية تجاههم حتى ركبوا الموت الزؤام، بحثا عن رفاهية في بلاد الرفاهية.. وبلاد الرفاهية مثل الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية تبدي غموضا متعمدا تجاه معاناة شعوب العالم الثالث تحت وطأة أنظمة فاسدة ومنبوذة شعبياً، فتلك الأنظمة لا تبقى في الحكم إلا بمساعدة دول الغرب، والمفارقة إيمان الغرب بالديمقراطية، في حين أن تلك الأنظمة لا تؤمن بتلك الديمقراطية، بيد أنها ظلت تجد الدعم والمساندة الكاملة من دول الرفاهية والديمقراطية في الغرب.ويظهر منطق "الغاية تبرر الوسيلة" في حديث مالكوم ريفنكد وزير خارجية بريطانيا السابق في حكومة المحافظين ورئيس لجنة الشؤون الأمنية في مجلس العموم البريطاني (البرلمان) الذي قال: "يجب سحق داعش ويجب ألا نشعر بالحرج حول كيفية عمل ذلك، حتى لو اقتضى الأمر التعاون مع النظام السوري"، مضيفا: "أحيانا تضطر لعقد علاقة مع أشخاص بغيضين من أجل التخلص من أشخاص أبغض".صحيح أن الدول الغربية تقدم خدمات وعناية للاجئين الهاربين من جحيم أنظمة العالم الثالث وطالبي اللجوء السياسي والإنساني، إلا أن ذلك لا يبرر الدعم الذي تقدمه لتلك أنظمة، فالذين يحظون بحق اللجوء لا يمثلون إلا عددا لا يكاد يذكر بالمقارنة بالمجاميع المتضررة، فالأمر الأقل تكلفة أن تذهب تلك الأنظمة وتتحسن الأوضاع السياسية وتنطلق عجلة التنمية وحينها لن يهرب هارب أو يطلب اللجوء في دول الرفاهية.. تقول الأرقام إن عدد المهاجرين وطالبي اللجوء قبالة شواطئ جنوب أوروبا هذا يقدر بما يقارب (75) ألف شخص في الوقت الذي يزداد فيه أيضاً عدد القتلى أثناء محاولات العبور في قوارب مكتظة وغير صالحة للإبحار لمثل تلك المسافات.. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أشارت إلى أن أكثر من (800) مهاجر لقوا حتفهم أثناء محاولة العبور من شمال إفريقيا.كم يؤرق بلاء الأنظمة الفاسدة جفونا ويريق من العيون عيونا، حين نسْمع عن تجارب مريرة.. لقد أرخى سواد تلك الحكومات سدوله على قلوب أبناء وشباب تلك الشعوب، كما يغشى ليل الشتاء الطويل الأرض كل مساء. قصص وحكايات الهروب ينقبض لها كل شعور وإحساس إنساني، ويعبس لها الوجه، بل تنطفئ منه الروح، ويتلاشى كل أمل في الخلاص.. في ذات ليلة من ليالي هذا العام المودع تم العثور على جثث (29) مهاجراً في عنبر مكتظ داخل قارب صيد، فقد قضوا نحبهم نتيجة الاختناق بعد استنشاق أبخرة المحرك.. في ذلك القارب، حيث تسود شريعة الغاب عندما يتوسد عرض البحر، قال الناجون إن (60) شخصاً آخرين حاولوا الفرار من العنبر الخانق، لكنهم تعرضوا للطعن من قبل خمسة ركاب وأُلقيت جثثهم في البحر.في يوم سابق، أنقذت البحرية الإيطالية (12) شخصاً بعد غرق قاربهم المطاطي قبالة سواحل ليبيا، غير أن (109) آخرين كانوا على متن نفس القارب أصبحوا في عداد المفقودين.(يافت غيبـي) لاجئ إريتري يعيش في السودان كان آخر اتصال تلقاه من زوجته بريكتي، التي كانت تحاول الوصول إلى أوروبا مع ابنته البالغة من العمر (20) شهراً، منذ أكثر من شهر.. الزوجة المسكينة كانت قد اتصلت به من ليبيا، وهي نقطة انطلاق معظم المهاجرين وطالبي اللجوء الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، وقالت له إنها سوف تستقل قاربا في بحر أسبوع من تاريخ اتصالها الأخير به.. أحد أصدقاء غيبـي المقيمين في ليبيا والمهرب الذي كان قد لهف ألفا و(600) دولار مقابل الرحلة من السودان إلى ليبيا وألفا و(700) دولار لعبور البحر الأبيض المتوسط أكد أن بريكتي وطفلتها غادرتا على متن القارب كما كان مخططا لهما، لكن غيبـي، الذي كان يخطط للانضمام إلى زوجته في أوروبا مع طفلتهما في مرحلة لاحقة، لم يسمع عنها شيئاً منذ ذلك الحين، وقال إنه علم أن نحوا من (250) من المهاجرين الذين سافروا على نفس القارب فشلوا أيضاً في إجراء اتصالات مع أسرهم. المهرب أعلن محاولا التخفيف من أثر الكارثة، أنهم جميعاً في أحد السجون الإيطالية، ولكن مع مرور الأيام ثم الأسابيع ثم الشهور دون أي اتصال من أي واحد منهم، بات احتمال موتهم مرجحا على نحو متزايد. يبدو أن معاناة غيبـي وأمثاله ستطول وستمتد حتى يلقى الله، ففي الوقت الحالي، لا يوجد في أوروبا نظام مركزي للتعرف على جثث المهاجرين، الذين يسافرون من دون وثائق، أو لإبلاغ أسرهم في بلدانهم الأصلية.تعاون فرنسا الدولة الديمقراطية مع الأنظمة الدكتاتورية الإفريقية – على سبيل المثال لا الحصر - قائم على تبادل المنافع وبطريقة مختلة لا تصب في صالح الشعوب الإفريقية بالضرورة، ومن لا يذكر ذلك الفساد الفاضح عندما كان الإمبراطور جين بيدل بوكاسا آكل لحوم البشر الذي حكم إفريقيا الوسطي منذ منتصف الستينيات وحتى نهاية السبعينيات من القرن الماضي، كان يرسل أغلى أنواع المجوهرات للرئيس الفرنسي آنذاك فاليري جسكار ديستان أبرز قادة أوروبا معارضة لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي لأسباب عنصرية.. وهكذا استمرت فرنسا في نهب موارد القارة الأولية في مقابل تثبيت أركان الدكتاتوريات الإفريقية.