12 سبتمبر 2025

تسجيل

من يدفع هؤلاء عن العناد ومن يردهم إلى الرشاد؟

13 ديسمبر 2012

كان واضحا منذ البداية أن " كرازايات " مصر يريدون دولة الثورة بدون برلمان ولا دستور ولا مجلس شورى ويريدون رئيسا مكبلا بلا صلاحيات ولا قدرة على إعلان قرارات دستورية لتكون مصر في نهاية المطاف بدون اقتصاد ولا استقرار ولا تنمية ولتنتهي فترة الرئيس " الإسلامي " ويتمادى عليه الزمن من غير إنجازات ترفعه وحزبه لمنافسة أخرى على موقع الرئاسة .. والمحصلة النهائية أن يكتسبوا ما لم يستطيعوا اكتسابه بصناديق الانتخابات وليستعيدوا النظام القديم ويحموا مصالحهم ومصالح من "يدزهم". أما ما قاموا به من انفلاتات وممارسات لا أخلاقية من عنف ودموية وحرق لمقرات الإخوان وحزب الحرية والعدالة فالهدف من ورائه أن يستفزوا الإسلاميين والإخوان منهم على الخصوص للرد بعنف مماثل يجعل تدخل الجيش وتقبل الشعب لذلك مخرجا من دائرة العنف والعنف المضاد.. وهو ما فهمه الإسلاميون واحتاطوا له كثيرا حتى سكتوا على قتل تسعة منهم وهم قادرون على فعل الكثير لو لحقوا نزواتهم وانساقوا مع ردّات فعلهم.    هذه التصرفات من المعارضة جعلتهم في مواجهة الثورة مباشرة وفي مواجهة الرأي العام ، وجعلت حيصهم وبيصهم مقالة على كل لسان.. وجمعت لهم من الأوصاف والنقائص ما لم يجتمع للأحزاب يوم الأحزاب ؛ فصاروا إذ الفلول في الذؤابة منهم لا مبدئيين ، وإذ يرفضون كل دعوة للحوار والتفاهم متعجرفين صداميين، وإذ يضعون أيديهم في أيدي المجرمين والمسجلين سوابق وإذ يشترون الذمم بالمال لا أخلاقيين، وإذ يرفضون التحاكم لصناديق الاقتراع ويتهمون الناس بعدم التأهل للاستفتاء استبداديين ولا ديموقراطيين وإذ يتوكؤون على أعداء مصر المتربصين بها الشانئين لاستقرارها في الخارج لا وطنيين، وإذ يمتطون القضاء ويغرقون في الكذب الإعلامي وإذ ينهشون أعراض الشرفاء في المناكفات الصغيرة رعناء ونزقين، وإذ لا يزالون يدورون حول أنفسهم وبقايا شعاراتهم في مسألة الدستور والاستفتاء عليه " كما يدور الحمار في الرحى " ويرددون نفس المقولات وذات الشعارات وإذ لا يحتفظون بجانب ذلك بهوامش للمناورة أو التراجع والتصويب عند اللزوم قصيري النظر وتفكيرهم نمطيا وصاروا في نظر الناس مجرد " بلطجية " بلا استراتيجية ولا رؤية!. ما ضاعف أزمة هؤلاء وكان بمثابة القاضية التي ليس لها من باقية هو إلغاء الرئيس الإعلان الدستوري الذي كان أصدره في21/11 والذي استمروا يتذرعون به وعلى وجوده بنوا استراتيجيتهم .. فاجأهم الرئيس بمرونته التي قلبت موازينهم وبالتوافق مع قوى المصالحة الوطنية وأحزاب وشخصيات الوسط أطلق الإعلان الدستوري الجديد فاستقطب به معظم هذه الأحزاب والشخصيات من المنطقة المحايدة.   للحظة كنت أظن "هؤلاء الكرازايات" وحيث انفضّت عنهم قوى الوساطة والوسط أن يكونوا أكثر ذكاء وأدهى دهاء وأن لا يظلوا وجها لوجه ضد النخب المحترمة والرأي العام.. كنت أتوقع وكنت أخشى أن يلجأوا لمناورة ما يغيرون بها المشهد كله فيقبلوا مثلا بوساطة الوسطاء ولو من لإفساد جمعهم وتعطيل حراكهم من الداخل، أو أن يوافقوا على الاستفتاء من أجل القيام بحركة "خبيثة" لتخريبه.. ولكنهم لم يفعلوا.. لم يفعلوا ليس لنزاهة أخلاقية عندهم ولا لحرص على الوطنية في وجدانهم، ولا لحماية بقية من سمعة القضاء الذي دنسوه، ولا للاحتفاظ بقليل من اللياقة والحياء التي فقدوها.. فقد تخطوا كل الحدود في ذلك واجترحوا كل موبقاته؛ لكنهم – لحسن الحظ – لأنهم كانوا أغبياء بليدين وأغبياء باردين.    وأقول: لا شك أن معارضة من هذا النوع يتمناها كل نظام مستبد – بالطبع سوى نظام الثورة في مصر لأنه غير مستبد – أما لماذا يتمناها النظام المستبد فلأنها ببساطة من السهل اجترارها إلى اللا منطق ليبدو هو نظاما منطقيا، وإلى اللا وطنية ليكون هو الوطني، وإلى اللا نظافة ليكون هو النظيف، وإلى معارك هو يرسمها لينتصر فيها وليجعل رقابهم تحت رحمة سيفه ويجعل قانون العدل معه.  الخطير الذي يجب أن نخشاه ويجب أن يعمل الجميع على توقيه هو أن تصل المعارضة بالصراع السياسي والجماهيري إلى استثارة الطرف الآخر وتيئيسه من الديموقراطية وتثوير حرب أهلية؛ وعند ذلك ستغرق مصر – لا قدر الله - في بحر من الدماء الحزبية والاتجاهية والمذهبية وتتحول لدولة فاشلة وتنهار قدراتها وتخرج من التاريخ لمائة سنة قادمة ليهنأ الاحتلال الصهيوني الذي يفترض أنه بات يعدد أيامه في فلسطين.. هذا الذي نقوله ليس مجرد وهم ولا أضغاث أحلام تنتهي بالاستيقاظ.. ولكنها مخططات وخرائط طريق معدة في دوائر استخبارات دول كبرى.. ومن شاء فليقرأ ما كتبه "برنارد لويس" حول ذلك.    ولماذا لا نتوقع ذلك ما دامت المعارضة مستعدة للتحالف مع الشيطان كما رأينا؟ ولماذا لا نتوقع ذلك وبين أيدينا في الحالة المصرية عقائديين لا يمنعهم حتى الآن من التصعيد إلا ما تربوا عليه من الحرص على الوطن والصبر على الأذى والمراهنة على استقرار قريب؟ ولماذا لا نتوقع ذلك ومصر على حدود دولة العدو وعلى ضفاف بل في قلب المشروع الأمريكي الغربي الشرق أوسطي الذي للأسف صار يبشر به "مزيف الليبرالية" الذي دمر العراق بتقاريره لمجلس الأمن حول البرنامج النووي العراقي من غير حياء ولا خجل، بل قد جاء من مخبئه هناك لأجله؟ ولماذا لا نتوقع ذلك ونحن نرى في المعارضة من يلتقي بوزيرة خارجية العدو السابقة "تسيبي ليفني" ويعدها بتخريب الاستقرار، ومن يلتقي بقادة الحرب الأهلية اللبنانية، ومن صار يستجدي الانقلاب العسكري والتدخل الأجنبي؟ ولماذا لا نتوقع ذلك ولسان حال العدو فلتدمر مصر إن كان للإخوان وللإسلاميين دور ورأي ومعادلة فيها ولتتفكك ولتدخل في دماء لا ترقأ وانهيارات لا تتوقف..    آخر القول : لقد رأينا كيف يعطي الغرب بشار الفرصة تلو الأخرى ليدمر سوريا وليرجعها خمسمائة سنة إلى الوراء، ومثل ذلك جرى للعراق.. فإذا كانت مصر هي الرأس المتبقي لمثلث الرد والصد عن الأمة عبر التاريخ.. فإن من المنطقي أن يتجه التفكير إلى ضرورة إخراجها من ذات المصير.. ولنا أن نتساءل: أليس فيمن حول هذه المعارضة الدموية العدمية والبليدة المستهترة من يرى بعين العقل ومن يتحاكم لمنطق الوطنية ومن يفكر أبعد من أرنبة أنفه ومن يؤمن بالثورة ليدفعهم عن العناد وليردهم إلى الرشاد؟