15 سبتمبر 2025

تسجيل

إيران والغرب.. مظاهر الاستمرارية والتغير

13 نوفمبر 2013

تشهد الساحة السياسية حاليا مفاوضات غير مسبوقة تناقش تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على إيران مقابل اتخاذ الأخيرة إجراءات ملموسة بشأن برنامجها النووي، ورغم أنه لم يتم الإعلان عن تفاصيل الاتفاق المرتقب، فإنه من المتوقع أن تجمد إيران بعض أنشطتها لتخصيب اليورانيوم، مقابل قيام الدول الغربية الكبرى برفع بعض العقوبات الدولية المفروضة عليها فيما يتعلق ببرنامجها النووي.  وتضم المفاوضات مع الإيرانيين الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن، بالإضافة إلى ألمانيا، أما أبرز المعترضين على هذه المفاوضات فهي الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو، الذي يرى أن هذه المفاوضات ستؤدي إلى تخفيف الضغوط على إيران ولكن دون مقابل حقيقي. هل يعني ما سبق أن جبال الجليد بين أمريكا وإيران تذوب الآن كما ذابت من قبل بين أمريكا وبكين، وأن الخريطة الاستراتيجية للمنطقة تعاد كتابتها على نحو كامل.. الإجابة عن هذه الأسئلة هي "نعم ولا"، فثمة مظاهر للاستمرارية وثمة مظاهر للتغير فيما يشهده ملف العلاقات الأمريكية الإيرانية. فرغم جرأة الخطوات الأمريكية الأخيرة تجاه إيران، فلا يمكن القول إنها تمثل انقطاعا كاملا عن سياسات الماضي، ولا تعكس من ثَمَّ تغيرا جذريا في السياسة الأمريكية. فرغم الخلاف الظاهري بين الولايات المتحدة وإيران فإن القطيعة بينهما لم تكن كاملة في أي مرحلة منذ قيام الثورة الإيرانية. ولكن المعالجات الإعلامية الغربية كانت تصورها دائما على أنها كذلك حتى تحدث تأثيرا رادعا مضاعفا.. فكلما زاد التخويف من إيران، زاد القلق الخليجي منها، وكلما زاد القلق الخليجي زاد اعتماده وتعويله على الحضور الأمريكي والسلاح والتحالف الأمريكي. في الوقت نفسه فإن الطابع الأيديولوجي الذي غلف الخلاف بين إيران والغرب لم يكن دوماً سوى غطاء لمشاكل لا تتعلق بالضرورة بالأيديولوجيا، فالثورة الإيرانية لم تمنع الساسة الغربيين من محاولة التواصل مع إيران في الأعوام التي تلت الثورة، كما أن وصف الجمهورية الجديدة بـ"الإسلامية" لم يمنع الإيرانيين من التواصل مع المخابرات المركزية الأمريكية إبان احتياجهم للأسلحة الأمريكية خلال حربهم مع العراق. بهذا المعنى فإن التقارب الحالي بين البلدين ليس فريدا في مضمونه، فقد حدث من قبل بشكل سري خلال أزمة إيران جيت، ثم بشكل أكثر علنية خلال غزو أفغانستان، حيث تحالفت إيران مع الولايات المتحدة بشكل صريح وقدمت لها دعما لوجستيا كاملا من خلال قوات تحالف الشمال، ثم تكرر نفس السيناريو خلال غزو العراق 2003. أيضا يمكن النظر إلى ما قامت به إدارة أوباما على أنه تنويع على اللحن الأساسي للسياسة الأمريكية وليس ثورة عليها. وعليه يظل من الوارد أن تقوم أول إدارة جمهورية قادمة باستعادة اللهجة المتشددة تجاه إيران والرجوع إلى خطاب التهديدات، فالخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين هو انعكاس للخلاف بين مدرستين من مدارس العلاقات الدولية؛ مدرسة الهيمنة ومدرسة توازن القوى، فالجمهوريون، وحلفاؤهم من المحافظين الجدد، يفضلون تحقيق المصالح الأمريكية من خلال خيار الهيمنة الصريحة، وعليه فإنه حتى إذا لم يكن هناك ملف نووي، فإن الجمهوريين كانوا سيجدون ملفات أخرى كذرائع لاستهداف إيران بوصفها تمثل تحديا للهيمنة الأمريكية، ولمشروع القرن الأمريكي. أما الديمقراطيون فيفضلون سياسات التوازن التقليدية بدلا من المواجهة الشاملة، وقد انعكس هذا الخيار على قرار إدارة أوباما بالإحجام عن التدخل الصريح في الأزمة السورية، كما انعكس على سائر قرارات أوباما الخارجية منذ بداية وجوده في البيت الأبيض، والتي كان من أبرزها تقليل التدخل الأمريكي في الشرق الأوسط، من خلال سحب القوات الأمريكية من العراق، وتخفيض التواجد العسكري في أفغانستان تمهيدا للانسحاب الكامل منها. أما فيما يخص إيران فقد عرقل الديمقراطيون جهود رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي ووزير خارجيته فيما يتعلق بتوجيه ضربة منفردة إلى إيران. وهو ما صرف إسرائيل عن المضي قدما في خططها التي كانت ستتسبب في إغلاق الخليج العربي، الشريان الأساسي لنقل النفط للولايات المتحدة وأوروبا. ولكن من ناحية أخرى لا يمكن أن نغفل أن ثمة تطورات حاسمة تشهدها المنطقة وبخاصة داخل حليفي الولايات المتحدة الأكبر في المنطقة، مصر والسعودية، ما يجعل التقارب الأمريكي الإيراني الأخير مختلفا عما سبقه من أشكال للتقارب، وربما دفع الأمريكيين إلى إعادة صياغة أولوياتهم في المنطقة. فبعد أن كان الدور الوظيفي لإيران هو استخدامها كمصدر للتهديد في منطقة الخليج، فإن المرحلة القادمة ربما تشهد تحولاً في هذا الدور. صحيح أن إيران لن تتحول بموجب الدور الجديد إلى حليف صريح للولايات المتحدة في ظل التحفظات الإسرائيلية التي ستكون حاضرة في خلفية أي اتفاق يتم التوصل إليه بين المتفاوضين، ولكنها في ذات الوقت لن تظل أيقونة الخطر الأوحد كما كان الحال في الماضي. فمعادلة شيطنة إيران التي كانت الولايات المتحدة تلجأ إليها لإقناع دول المنطقة بأن إسرائيل ليست هي الخطر الوحيد في المنطقة تغيرت مع تطور تفاصيل الربيع العربي ووصول جماعة الإخوان إلى الحكم في أكثر من دولة، وهو الأمر الذي اعتبره عدد من الأنظمة العربية، وعلى رأسها السعودية، بمثابة خطر يتهددها ربما بأكثر مما يمثله لها النظام الإيراني من تهديد. انشغال حلفاء أمريكا في مصر والسعودية بالإخوان كمصدر لخطر إقليمي مزعوم، ومباركة إسرائيل للانقلاب الذي شهدته مصر، رفع الحرج عن الإدارة الأمريكية التي تريد أن تحتفظ بمظهر الصديق لأنظمة الخليج مع الاستمرار في دعم إسرائيل، وفي الوقت نفسه أتاح لها أن تبدأ في تطوير شبكة تحالفات جديدة مع إيران، تستخدمها حال تفاقم الأوضاع لدى حلفائها الأصليين (مصر والسعودية) على نحو يحول بينهم وبين ضمان استمرارهم في حماية تدفق المصالح الأمريكية عبر المنطقة.