11 سبتمبر 2025
تسجيلقبل سنوات ومنذ زمن بعيد وفي إحدى الدول العربية البعيدة عن محور فلسطين الجغرافي وحتى الوطني وفي اجتماع لنا كمدرسين تمت ترقيتهم وكنت أحدهم بوكيل وزارة التربية والتعليم، قال السيد الفطن فكرة قام يروج لها، فذكر ضرورة إلغاء نصوص قرآنية ونبوية حول عقيدة "الولاء والبراء" من مناهج التربية الإسلامية ثم راح يبرر "فتنته" ليقول: بعد المصالحات "العربية - الإسرائيلية" لم تعد النصوص التي تحرض على اليهود مناسبة لواقع علاقاتنا المستجدة، فاليهود لم يعودوا هم ذات اليهود !! أذكر يومها أنني قمت فتحدثت خلافا لكل الساكتين والمترددين والخائفين وسألته: إن كانت الآيات لا تناسب الواقع فأيهما حكم على الآخر، وهل علينا أن نلغي الآيات ونبقي الواقع أم نلغي الواقع ونبقي الآيات ؟ عندها استشاط الرجل غضبا فأزبد وأرعد وكان مما قال "هذا تحميل لكلامي ما لا يحتمل من مضامين لم أقصدها" وانتهى اللقاء بذلك ثم العام الدراسي وتم فصلي من العمل بدل تسلمي موقعي الجديد الذي تمت ترقيتي له "ويا فرحة ما تمت" .أتذكر هذا وأنا أشاهد اليوم بعد كل هذه السنوات بعض وزارات التربية والتعليم في أكثر من بلد عربي تغيّر المناهج وتتجاوب مع ثقافة التدجين الثقافي والفكري ومعاندة الإصلاح والتغيير واتجاهات الأسلمة والسعي في قتل روح الثورة ومقاومة الاحتلال، أتذكر هذا وأنا أراهم يدافعون عن تغييراتهم بسيول من التدليس والتلفيق والتزوير ومحاولة التأثير على الرأي العام، ويستعينون بفيالق من الإعلاميين الغشاشين الذين يحاولون تمرير كل مفسدة بكل وسيلة، ويروجون للباطل بكل طريقة، تساندهم قوى ظلت طول عمرها تدعوا لليسارية والليبرالية والعلمانية والإلحادية وتدّعي أنها شعبية وديمقراطية وذات أجندات وطنية، وليقولوا لنا إن المناهج الحالية تغذي الإرهاب وتنّمي الفكر المتطرف وتشحذ روح العداوة والعنف.ولنا أن نتساءل هل سيعالج أم سيعزز التطرف تجاهل مناهجهم للواقع السياسي للأمة ؟ وتقوم بتعمية الصراع مع العدو الصهيوني ؟ وهل سيعالج أم سيعزز التطرف تجاهل تاريخ الاستعمار الغربي لبلادنا وتفتيته لأمتنا ؟ وهل سيعالج أم سيعزز التطرف اعتماد المناهج المغيّرة رواية الاستشراق عن دموية التاريخ الإسلامي ؟ وهل سيعالج أم سيعزز التطرف حذف آيات قرآنية مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) التي تدعو للأخوة والمساواة والتقوى والإيمان ؟ ومثل قوله تعالى ( فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تجري .. ) التي تبين حقوق المرأة ومساواتها في الجزاء بالرجل ؟ ومثل قوله تعالى ( قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ) التي تشرع الشورى والمشاركة السياسية ؟ نتساءل هل كل ذلك سيعالج أم يعزز التطرف ومنحى المتطرفين في اتهام النظم بالتجديف ضد الأمة وضد الإسلام ؟ وتكفيرها وصولا للتكفير العام والخروج الكامل على الأمة ؟ وهل سيوفر هذا المنحى مساحة ولو صغيرة للتفهم والتسامح والتلاقي الوطني أم سيصنع مساحات واسعة لتقبل رواية المتطرفين التي تخلط أحكام العاجزين بأحكام المتآمرين ؟ وهل هذه الثقافة الموجهة الضيقة قادرة على منافسة ومواجهة ثقافة التكفير والتطرف المدعّمة بوقائع التعديات والاحتلالات ضد الأمة ؟ الحقيقة أن مسألة المناهج التعليمية هي مسألة غاية في الموضوعية والمهنية والوطنية، فلا يجوز أن تخضع لجدليات الأيديولوجيا الخاصة أو الطائفية أو لمؤقت الزمان والمكان، ويجب أن تظل مؤسسة على التقنية المهنية والعلمية التي تناسب المصالح العامة للأمة، ولابد من أن يخرج من يضبطونها ومن يعتمدونها عن أجنداتهم الخاصة إلى مضامين الدستور كمصدر للتشريع والتثقيف أيضا .. آخر القول : ضروري أن يعلم من يقومون على صناعة المناهج التعليمية واعتمادها أنهم على ثغرة خطيرة من ثغور الأمة ودينها وحاضرها ومستقبلها، وأن يعلموا أن الأوطان ليست لهم ولا لأحزابهم وولاءاتهم الخاصة وحدهم، بالتالي فلا يجوز أن يغيبوا الحوار الحقيقي الجاد مع مخالفيهم شركائهم في الأوطان على قدم المساواة في الدين والحقوق الواجبات.