11 سبتمبر 2025

تسجيل

العمارة القطرية الشكل والمضمون

13 أكتوبر 2016

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عندما تتجول في أرجاء المدينة وتفكر في الهندسة المعمارية ومدلولاتها تكتشف بسهولة العديد من الملامح الهندسية الموروثة التي تقتبسها الأمم من بعضها، لكنها تحتفظ في ذات الوقت بكل مقومات أصولها وجذورها.. وتدفعنا مثل هذه الجولة الاستكشافية الى تلمس ملامح الحضارة الاسلامية في واقعنا المعماري. لقد انعم الله علينا بالإسلام عقيدة وفكرا وحضارة، عنواناً ومسلكاً، شكلا ومضمونا، إلا ان التغريب الذي عصف بنا منذ عقود جار واستكبر وأتى بأركانه ليزحزح قواعدنا الثقافية، ولا اشير بذلك إلى عقيدتنا ولغتنا فقد خاض في هاتين الكُتاب بما يكفي للواعي أن يعي، لكني أتحدث عن هويتنا العمرانية وفنونها والبصمة البصرية التي تشكلها مشاريعنا الخرسانية. أين نحن اليوم من الطابع العربي والإسلامي والقطري؟ ماذا جرى؟ أين الجدول الذي كنا ننهل منه ونستوحي منه جمال خاصيتنا الفنية الأممية والمحلية. أين أطياف الجمال الإسلامي الذي مهما اختلف بهندسته وحقبته او البقعة الجيوغرافية المستوحى منها فهو وليد حضارتنا وتراثنا ومجدنا العربي الإسلامي الأصيل.أثناء دراستي في الخارج اصطحبتني المدرسة في رحلة طويلة من شمال غرب فرنسا إلى جنوب شرقها، ومن فوائد الترحال فتح باب المقارنة، فلنرتحل معاً ولنتعظ. سارت بنا الحافلة ومرت في طريقها على مدن كثيرة أولها بريتاني في الشمال الغربي ببيوتها الحجرية الداكنة وقلاعها المهيبة وحصونها المتمركزة على الشواطىء لمواجهة البحرية الانجليزيه قديماً، ثم توجهنا شرقاً للعاصمة باريس حيث المباني "الأوسمانية" التي وُكل ببنائها عمدة باريس أوسمان من قبل الامبراطور نابليون الثالث في القرن التاسع عشر، التي نسف بها باريس القديمة وكل ما تحمله من قذارة ونمط معماري غير صحي، فوحد ونسق وزين بالقبب المذهبة والأفنيوهات المرصوفة والحدائد الفرنسية ذات الاشكال الهندسية المتوازية ارجاء العاصمة،وابقى الكنائس القوطية على عهدها منذ العصور الوسطى بزجاجها المعشق وابراجها الشاهقة. اتجهنا جنوباً إلى جبال الألب حيث البيوت ذات الأحجار الرمادية اللامعة والاسقف والشرفات الخشبية الصنوبرية. واختتمنا سعينا عند البحر المتوسط حيث تضفي انعكاسات الشمس بريقاً على القرميد البرتقالي والشرفات والشبابيك المطلية بالألوان الخلابة والمزينة بالورود. وكأني كلما مررت بمدينة قرأت بيئتها ونمط حياة اهلها وكل ما يمثل هويتهم مطلياً بهندسة دقيقة وفريدة من نوعها مقروءة على الجدران مما يجعل من كل قرية ايقونة لنفسها ولمقاطعتها تخاطب المارة بكل عزة عن اصلها وتفتخر بانتمائها وهويتها المحلية، فادركت ان الحضارة بقدر ما هي مقرونة بالمبادئ الإنسانية والفكر والعدالة الاجتماعية وغيرها فهي على نفس القدر مقرونة بالفنون، وما ادراك ما الفنون؟ الفنون لغة، واللغة ركن اساسي من اركان اي حضارة، اما لغة الفن فهي اللغة الأزلية التي تتخاطب من خلالها الأمم.فلنعمل مقارنة بيننا وبين الغرب، ولو اني لا احب ان اجعل من الغرب معياراً للمقارنة فللشرق سحره ولكن الهيمنة الثقافية الغربية تبرر لي ذلك.ونكتشف بهذه المقارنة أن الأنماط العمرانية المستوردة يرجع كل منها الى حقبة تمتد من الطراز اليوناني واللاتيني منذ ما قبل التاريخ إلى سقوط روما الغربية عام 476 على يد القبائل الجرمانية تلاه قرن العصور الوسطى وفنونه القوطية يتلوه حقبة فنون الباروك ذات الجذور الكاثوليكية المناهضة لتوسع الافكار البروتستانتينة في اوروبا حتى عصر النهضة الممتد من القرن الرابع عشر حتى القرن السابع عشر الميلادي وفيه ازدهرت الثقافة والأدب اللاتيني من جديد والطراز المعماري المصاحب له. جاء الفن الفكتوري مع الملكة فكتوريا جدة اوروبا كما تسمى، لما لها من قرابة مع ملوك اوروبا وقياصرتها، فلقى طرازها رواجاً كبيرا في القرن الـ19 حتى جاء الفن الكلاسيكي الجديد ثم ال"الآرت ديكو" والمباني ذات التوجه العالمي من عام 1925 تلاه نمط ال"بوستمودرن" او فن ما بعد الحداثة. تسلسل طويل تعمدت ان أسرده لأبين تعاقب الفنون في اوروبا الغربية ومن خلاله يتضح بأن المحرك الرئيسي لهذه الانماط الفنية وتعاقبها يكمن ويتمحور حول المستوى الثقافي العام والفكر وتوجه الدولة والأفراد، مصحوباً بتطور ادوات البناء.ما اود ان القي الضوء عليه، هو ان الثقافة الغربية حتى في حالات ضعفها واثناء عصورنا الذهبية لم تقبل بتشييد معلم ولا مسكن على الطراز العربي، بالأحرى سعى المستشرقون وتم دعمهم لتعلم واكتشاف وتطوير فنون وادوات العمارة الحديثة التي تصدر بها العرب فيما مضى، فاقتبسوا منها ليطوروا فنونهم المحلية حتى انقلبت الآية وتصدروا تصدير الفن، ومنذ اذ لم نسمع بشارع او مسكن في باريس او روسيا او غيرهما من دول أوروبا عدا اسبانيا يسمى او يتبنى نمطا او طرازا شرقيا. فمن الواضح انهم لا يؤمنون بالتقليد الأعمى الذي نراه في ارجاء قطر اليوم، فيما لو تمعنا في سياسة اوروبا الثقافية المعاصرة ، فسنرى ان سويسرا تمنع المنارات لاسباب ثقافية، وروسيا تبني مساجدها على الطراز المحلي لتعزيز الوحدة بين اطياف المجتمع الروسي لابقاء الهوية الروسية والفن الروسي العامل المشترك والنقطة الموحدة لأبنائه، فلنتعظ ونعمل على احياء ثقافتنا وموروثنا الحضاري.تطوير العلم مكلف، وتطوير الفن واجبٌ مكلف على كل جيل، فهو واجبنا الثقافي والحضاري تجاه من يلينا. وبالتوازي يجب علينا رفع ثقافة الفرد في مجال الفنون المعمارية ودوره تجاه الهوية العمرانية. واتوجه برسالة للمستقبل خالية من العتب والانتقاد على ما سلف اخص بها التجار واصحاب القصور واصحاب المشاريع الضخمة والمتوسطة من منتجعات وأسواق وغيرها ولكل فرد لا يملك من عقار سوى بيته بأن مسؤوليتنا تجاه قطر كبيرة يجب ان نعيها، فقد خص الله هذا الجيل بشرف عظيم وهو تعمير قطر وتشكيل البصمة البصرية على النحو الذي نود، فقد توافرت الأراضي المفتوحة والإمكانيات والدعم دون اي عائق سواء كان طبيعيا او اثريا، فلنعمل معاً في مواجهة هذا التحدي الثقافي ولننشئ أكبر وأجمل وأعرق المشاريع القطرية، عملٌ عظيم لكل منا عليه بصمة، مشروع عمراني نتفاخر به بين المدن الجميلة مشروع يعكس من نحن شكلاً ومضموناً للحاضر والمستقبل مشروع لا يقلد ولا يستورد وإنما يقتبس اذا اقتضى الأمر، وليكن باب الحوار هو منطلقنا. وختاماً، الفنون شاهد على العصر، فيا ترى ما الشهادة التي ستدلي بها فنوننا؟.