19 سبتمبر 2025
تسجيلوصلت الأخبار إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من عمه العباس، الذي أسلم وأخفى إسلامه وبقى بمكة، وكان بمثابة رئيس شعبة الاستخبارات في مكة التابعة لدولة الإسلام.. وكانت خلاصة رسالته أن قريشاً تعد العدة لمهاجمة المدينة والثأر لقتلاها في بدر.. بعد أن قام بعض من قُتل آباءهم في بدر مثل عكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية باقناع أصحاب التجارة التي كانت في قافلة أبي سفيان أن يتبرعوا بقيمة تجارتهم هذه المرة لتجهيز الجيش والثأر للقتلى من أشراف قريش.وصلت الأخبار إلى رئيس الدولة، وهو يومئذ الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم، فعرض الموضوع على الصحابة للتشاور، فكان يرى البقاء بالمدينة واستثمار طبيعتها الجيولوجية والبناء الهندسي لمنازلها، كموانع تحمي المدينة من أي جيش يريد اقتحامها، ووافقه الرأي رأس النفاق عبدالله بن أبي بن سلول الذي أظهر الاسلام وأبطن الكفر .. لكن جماعة من خيرة الصحابة ممن فاتتهم معركة بدر، ومعهم ثلة كبيرة من شباب المدينة رأوا الخروج لملاقاة المشركين، كيلا يعتقد الأعداء أنهم جبنوا عنهم.بعد أن رأى النبي الكريم وهو يومئذ القائد الأعلى للقوات ورئيس الدولة، أن الغالبية ترى الخروج، قام وصلى العصر بالناس ثم دخل بيته وحشد من الصحابة بالخارج ينتظر قراره النهائي.. ودخل البيت ومعه صاحباه أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، فألبساه العمامة والدرع وبدأ يلبس لباس الحرب.الصحابة في الخارج شعروا أنهم أثقلوا على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فقال سعد بن معاذ: استكرهتم رسول الله على الخروج، فردوا الأمر إليه.. وشعر الجميع بذلك فقرروا اتباع الرأي الذي قاله الرسول الكريم في بداية الأمر.. فرأوه وقد خرج صلى الله عليه وسلم من بيته لابساً (لأمته) أو الدرع ومتقلداً سيفه ، فقالوا له: ما كان لنا أن نخالفك فاصنع ما شئت! فأجاب بكل حزم: ما ينبغي لنبي إذا لبس لأمته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين عدوه.. وحدث ما حدث من تفاصيل معركة أحد المعروفة.الشاهد من القصة أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يربي صحابته على أهمية احترام الرأي الجماعي وعدم التردد، بعد أن يتم التشاور على أمر ويتم اتخاذ القرار، ذلك أن مثل هذا التردد في اتخاذ القرارات الحاسمة، يمكن أن يؤدي الى حالة اللاقرار ونشوب الخلاف، إضافة الى أنه صلى الله عليه وسلم لم يشعر بضيق ولم تنازعه شعور الرئاسة والصلاحية الكاملة ليضرب بقرار الجميع عرض الحائط، بل نزل على رأي الأغلبية، ليشعر الجميع بالمسؤولية وتحمل نتائج وتوابع قرارهم، سلباً أم إيجابا.. وهكذا كانت طريقة الدروس العملية في مدرسة محمد، صلى الله عليه وسلم.