17 سبتمبر 2025
تسجيلرويداً رويداً تلقي الأزمة السورية بظلالها على دول الجوار تركيا، لبنان، الأردن، والعراق، فبعض هذه الدول تلملم ثوبها خشية أن تطالَها ألسنةُ اللّهب المنبعثة، وبعضها ترمي بنفسها في لجّة الصراع على القاعدة القائلة: الهجومُ أفضل وسيلة للدفاع. ولا يستطيع أحد أن يجزم على أيهم ستكون الأزمة وتداعياتها أكثر خطورة، فالحديث القديم أن تركيا مستبعدة من أي تداعيات للأزمة السورية، لأنها دولة قوية ولديها جيش واقتصاد قويان، وفوق ذلك هي دولة تحكمها حكومة مسنجمة مع شعبها وأتت بطريقة ديمقراطية لا غبار عليها.. رغم كل ما قيل عن قدرة تركيا على تجاوز الأزمة السورية وعدم تأثرها فيها حينما بدأت الأحداث في سوريا إلا أننا نجدها اليوم من أكثر دول الجوار تأثراً وتأثيراً في الوضع السوري. قد يقول قائل هذا لأنها – أي تركيا- تملك رؤية واضحة، كما بيدها زمام المبادرة، وترى نفسها قادرة على أن تكون لاعبا قويا في المشهد السوري لما له من تأثير عليها وعلى المنطقة ككل.. قد يكون الأمر صحيحاً، لكن ممّا يسلّم به الجميع أن سياسة "تصفير المشاكل" التي ابتدعها وزير الخارجية التركي أحمد داوود أوغلو فشلت فشلا ذريعاً في الأزمة السورية. أما بالنسبة للدول الأخرى مثل لبنان والأردن، فإن قادة هذين البلدين يحبسان أنفاسهما مع اقتراب النار السورية إلى حدودهما، وهو أمر محقق إذا ما تأملنا هذا العدد الكبير من اللاجئين المتدفقين، وعدم القدرة على ضبط الحدود مع سوريا بشكل تام ودائم لما فيه من تداخل جغرافي وديمغرافي. لعلّ العراق من بين هذه الدول هو الأكثر حساسية قلقاً من تطورات الأحداث، فالبلدُ لم يتعاف بعد من جراحات الاحتلال والانقسام السياسي بين طوائفه ومكوناته السياسية، وشعبه منفرط عقده ما بين مؤيد للنظام السوري في القضاء على ما يسميه بالمؤامرة الخارجية على سويا الأسد، وبين مساند لثورة يقول إن الشعب فيها ينتفض على الديكتاتورية والاستبداد، وسط هذه التناقضات والتقلبات السياسية تجد نفسها حكومة نوري المالكي، وهي صاحبة مبادرة الحلّ السياسي كما يحلو لها أن تصف دورها في الأزمة، متسلحة بالشرعية العربية باعتبار أنها تترأس الدورة الحالية للجامعة العربية، وهي تصر على أن ينطلق الحلّ من وثيقة جنيف التي هندسها سلف الأخضر الإبراهيمي كوفي عنان. أنصار نوري المالكي كما هو حال ائتلاف دولة القانون يبررون الموقف العراقي الرسمي الذي يراه البعض قريبا من طروحات إيران فيما يتعلق بالأزمة السورية، خصوصاً حين يتم الحديث عن تسليح المعارضة السورية ووجود جماعات مسلحة، دون أن يتوقفوا عند الاتهامات الأمريكية للعراق بالسماح لطائرات إيرانية محملة بالسلاح والعتاد وقوات الحرس الثوري في إطار توجهها إلى سوريا، فضلاً عن تزويد العراق للنظام السوري بما يحتاجه من وقود وبأسعار تفضيلية، ثم يكون الحديث بعدها عن موقف عراقي محايد ينطلق من قناعة الحكومة بضرورة عدم التدخل في شؤون دول الجوار. ما لا يقرّ به العراقيون هو قلقهم العميق من ظهور نظام سنيّ متشدد في سوريا في حال سقط النظام الحالي، بحيث يشكل ضغطا قويا على العراق وتركيبته السياسية، وما أفضت إليه الصراعات الأمريكية الإيرانية على الأرض العراقية، ويصبح القلق مؤكداً إذا ما تشاركت الجماعات الجهادية بين العراق وسوريا الخبرة وتمددت عبر الحدود، وهو ما سيبث الروح في التيار السنيّ الرافض للعملية السياسية برمتها أو لأي قواعد جديدة، تمّ إفرازها مع انهيار النظام السابق. ولعلّ الولايات المتحدة، اللاعب القوي في العراق، تغض الطرف عن التقارب الإيراني - العراقي، أملاً في استمرار عمليات التفاوض بينها وبين الإيرانيين حول الملف النووي داخل البيت العراقي بعد أن ساءت العلاقة بين تركيا وإيران، فضلاً عن أن الولايات المتحدة تدرك أن المالكي يعلم أن لا أحد قادرا على لجم الرغبة الكردية في الانفصال التامّ عن الدولة المركزية إلا الأمريكان، ومن هنا يبدو أن المالكي يجيد اللعبة جيداً، ويحاول أن يلعب وفق قواعدها المرسومة.