13 سبتمبر 2025
تسجيلبعيدا عن الفكرة المتخلفة التي تنسب كل شيء للمؤامرة وتسيء الظن في كل شي ويتمترس خلفها العاجزون والمتهمون فإن ما تنهض به دولة قطر من مسؤوليات في دعم الشعوب العربية وحل مشكلاتها إذا وضعناه على بساط البحث الموضوعي وفي ميزان المصالح والمضار الإستراتيجية هو غاية ما يطلبه أي مخلص وأي وطني لوطنه ولأمته.. فما تقوم به هو مع الشعوب أولا، وجريء بما فيه من معاني التضحية ثانيا، وهو واجب فيه معنى الكرم والمبادرة لأنها تستطيع أن تقصر فيه لتقلل خصومها وخساراتها بسببه ثالثا، (ولو فعلت ما تحملت من المسؤولية أكثر من أي نظام عربي أو إسلامي ممن يعيشون في أحضان الآخرين أو حتى يتآمرون على الأمة)، وهو مصلحة إستراتيجية للأمة وشعوبها فما تقوم به لا بديل عنه ولا أفضل منه ولا حتى يدانيه في الأفضلية في ظل واقع الأمة وحالها.. وهذا رابعا.. لكل هذه الاعتبارات فإن ما تقوم به قطر هو مكتسبات إستراتيجية حقيقية لها وللأمة كلها ولا بد من شكرها عليه والأمل أن تستمر في تقديمه فقد وقفت مع قضايا الأمة من فلسطين إلى السودان إلى العراق إلى الثورات العربية ومن تونس إلى مصر إلى ليبيا إلى اليمن إلى سوريا وما تغطيه قناة الجزيرة الفضائية من فضاء إعلامي وسياسي وفكري واسع ومبدع أدى إلى تعرضها للقصف الفعلي من الأمريكان وإلى حجبها عن ممارسة حقها من قبل نظم سوداء كثيرة وفي مرات كثيرة، وما يوفره الشيخ القرضاوي من قاعدة انطلاق واسعة للعلماء العاملين بفتاواه التي تجاوزت الانتماء المناطقي.. كل ذلك وسواه مما يصعب ويطول حصره وعصره ينسب بالفضل فيه بعد الله تعالى لدولة قطر.. وهو يفصح عن الكثير من قناعاتها ومنطلقاتها تجاه نفسها وأمتها والحاضر والمستقبل وما كان وما سيكون مما ينسجم مع هذه الأمة ورسالتها وهويتها واحتياجاتها وتصحيح أوضاعها.. أما إذا كان البعض لا يرى كل هذه الحقائق فهذه مشكلته هو فقط، وهو نقص في انتمائه للأمة يخصه هو فقط، وعليه هو أن يعالجها من أجل نفسه قبل أن يفوته القطار.. (طبعا ليس قطار علي عبد الله صالح الذي لا يحمل إلا أموات الضمائر والكذابين!) هؤلاء نسألهم عن تقييمهم لدور قطر بعيدا عن مداهم الشخصي والحزبي والجهوي وبعيدا عما تسببه لهم من تضررات أساسها أنهم هم اختاروا غير ما اختارته شعوبهم وأخذوا ما ليس من حقهم.. عند ذلك سنجد أنهم لا يرتكزون لقاعدة انطلاق صحيحة ولا لمعادلات مستقرة ولا يملكون وحدة موضوعية لمواقفهم.. ولنأخذ شاهدا على ذلك من الثورة المصرية.. لنرى أن موقف قطر من النظام المصري ودورها في دعم الثورة المصرية كان يحظى بإجماع عربي بل ومصري على المستوى الشعبي.. اللهم إلا طائفة البلطجية وأزلام النظام ومنتفعيه.. أيضا نسأل أليس الشعب المصري قد صارت له قيمة ودور حقيقي في رسم واقعه وتقرير مصالحه ووضع سياساته ومد علاقاته؟ أليس قد صار رئيس الوزراء المصري يحسب حسابا لعشرة متظاهرين ينزلون إلى ميدان التحرير أو مسبيرو؟ أليس قد خسرت " إسرائيل " كثيرا بسقوط ذلك النظام الفاجر؟ أليس قد فقدت أمريكا حليفا إستراتيجيا كانت من خلاله تنفذ أنجس وأقذر سياساتها ومشاريعها الداعمة للكيان الإرهابي الصهيوني؟ أليس قد انفك عن صدر ثمانين مليون مصري نظام جند الملايين ونهب المليارات وما بقي له إلا أن يقول " أنا ربكم الأعلى "؟ وهل ينكر أحد أن هذا كله لمصلحة الشعوب وفي المحصلة لمصلحة الأمة؟ والسؤال للمشككين والمتشككين العارفين منهم الحقيقة والمتجاهلينها وللذين يتوهمون أن الثورات العربية مجرد لعبة أمريكية: هل أمريكا تلعب بمثل هذه الأوراق أو تساوم عليها؟ وإذا لم تكن هذه الثورات ومكاسبها مصلحة للأمة فأين المصلحة إذن؟ وما الذي تريده الأمة أكثر من هذا؟ أليس يصح هنا أن يقال: إذا كانت هذه هي المؤامرة فيا ليت كل حياتنا مؤامرات من هذا النوع؟ وأليس من حقنا أن نتمنى تعميمها على كل بلاد المسلمين ودولهم وشعوبهم؟ أم أن علينا أن نلغي عقولنا وقلوبنا ووجداننا إرضاء للنظام الفلاني أو الحزب العلاني المناهض للمواقف القطرية فقط لأنه متضرر منها ويريد أن يستمر في التأله على شعبه والاستبداد على الضعفاء وسوء الإدارة للرعية؟ ثم أليس من أهم موازين الحكم على السياسات والمواقف رأي جمهرة الناس وعمومها؟ ألم يقل – صلى الله عليه وسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض "؟ وعندما سئل: يا رسول الله متى أكون محسناً ومتى أكون مسيئاً.. ألم يقل: "إذا أثنى عليك جيرانك أنك محسن فأنت محسن، وإذا أثنى عليك جيرانك أنك مسيء فأنت مسيء "؟ وإذا قارنا بين موقف قطر ومواقف الكارهين لها والمنتقدين دعمها للشعوب.. فهل نرضى عمن يقتلون شعوبهم ويبيعونها تحت شعارات الوطنية والقومية التي لا يصدقها الواقع، ولأجل الجعجعات التي لا طحين فيها؟ أو نرجح الذين يخونون أمتهم والذين يقتلون كل معاني الوطنية في بلدانهم والذين يختارون الكذب واللف والدوران واحتقار الملايين.. أم نرجح الموقف الذي يتناغم مع الرأي العام وينسجم مع الظاهر المؤكد من مصالح الأمة والذي هو الموقف القطري؟ مواقف قطر لم تأت وليدة اللحظة، وهي غير منبتة ولا منقطعة عن سياق متكامل من إنصاف شعبها ثم تبني مصالح أمتها وسياق متكامل من الوطنية إلى القومية إلى الإسلامية ومن زمن لزمن ومن قضية لقضية ومن بؤرة لبؤرة.. وقطر لا تحتاج مجاملة من أحد ولا لأحد، وهي لا تعرض نفسها زعيمة على أحد ولا لتحل مكان أحد.. وليس لأحد يعتقد أن هذه هي الحقيقة أن يتحرج من الاعتراف بما يعتقد، ومن هذا المنطلق فإني لا أجد حرجا شرعيا ولا أخلاقيا من الاعتراف بأنني أراها كما يراها وتراها شعوبنا ومثقفونا.. وأن نكون صرحاء في الاعتراف بفضلها وأعيننا على المحصلات والإنجازات وعلى الحقائق لا الدعايات.. وذلك مما لا ينكره إلا جاهل ولا يرفضه إلا متحامل، ولا يتخلف عن الإفصاح عنه إلا غافل.. هي مواقف مبدئية إنسانية أخلاقية وهذا ما تتحدث عنه الشعوب إعجابا وثقة.. وحتى لو كانت فيها مصلحة لقطر فهي مصلحة داخل وضمن مصلحة الأمة ولا بأس.. ويا ليت كل الدول والنظم تفكر في مصالحها بما لا يتعارض مع مصالح الأمة وبما يتجاوز المفهوم الضيق للمصالح الذاتية.. ولو كانت قطر تطمع في هذه الذاتية لأحجمت عن الكثير مما تقوم به ولاختارت الأسهل واكتفت بالكلام والزعيق بشعارات أخلاقية وعظية كما يفعل كثيرون من حولها ممن أصواتهم أعلى من حقائقهم.. صحيح أن مواقف قطر تكسبها قيمة إضافية من الاحترام وربما ترفعها لمنافسة آخرين على مواقع قيادية على مستوى الأمة.. ولكن هل احترامها محصور ومقصور على ذلك؟ ثم لماذا لا ينافسها الآخرون – المذمومون المدحورون - بهذه الأدوات على هذه المكانة؟ أم علينا أن ندافع عن الكسل والتوهان والركون للخطابات العنترية الكاذبة.. آخر القول: إذا كانت قطر قد نجحت في إزاحة خصم أو خصوم سياسيين من خلال دعمها لشعوبهم فإن نجاحها الأكبر والأبهر كان في الاختبار القيمي عندما لم يختلف أداؤها إعلاميا وسياسيا في الأحداث داخل محيطها الإقليمي ومربعها السياسي.. وإذا كنا ننتقد الباطل وزبانيته فإن العدل والقوة أن نشيد بالحق وأهله.. وليس يشكر الله من لا يشكر الناس.. وشعوبنا قد أثبتت في كل الوقت وعبر كل الأحداث أنها تعرف صديقها من عدوها وأنها تعرف الأصيل من المزيف.. (وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين).