11 سبتمبر 2025

تسجيل

غازي كنعان .. واللقاء الأخير

13 أكتوبر 2005

التقيته في مكتبه بوزارة الداخلية بحي المرجة في السابع والعشرين من الشهر الماضي، كانت عقارب الساعة تشير إلى السابعة مساء عندما دخلت إلى مكتبه، بعد التوقف لحظات عند مدير مكتبه. جلست دقائق معدودة بالمكتب حتى أطل عليّ غازي كنعان من مكتب مجاور، مبتسما ومرحبا بحرارة بوجودي معه، ووجودي بسوريا. لم يجلس على مكتبه، بل دفع كرسيا صغيرا موجودا بجوار المكتب لتقريبه إلى الكرسي الذي اجلس عليه، فجلس بجواري بكل هدوء، تماما كما كان يتحدث بكل هدوء وثقة عن الاوضاع في سوريا، وعن المرحلة التي قضاها في لبنان. لم يكن راضيا في بداية الأمر بإجراء الحوار، بل فضل التحاور والنقاش حول مختلف القضايا، لم أشأ في بداية اللقاء أن يكون الحوار للنشر، قلت له فلنتحدث عن قضايا الساعة، اقنعته بعد ذلك بأهمية نشر حوار مع شخصية بوزن غازي كنعان، الذي أقام الدنيا ولم يقعدها، خاصة خلال الفترة الأخيرة، في ظل تداعيات الأحداث على الساحة اللبنانية. الرجل بدأ حديثه عن الحقبة التي عاشها في لبنان، وبدايات ذهابه إلى بيروت، والمساعي الحميدة، والجهود الكبيرة التي بذلها من أجل التوفيق بين الفرقاء، وتوحيد الصفوف، ومنع الاحتراب، متطرقا إلى المجازفة بحياته من أجل لبنان وشعبه. الحديث عن لبنان أخذ الوقت الأطول من المقابلة التي استغرقت أكثر من ساعة، كانت أفكاره متسلسلة، وطرحه مقنعاً، وتساءل أكثر من مرة عن الدوافع التي تجعل النظام السوري يقدم على اغتيال رفيق الحريري أو غيره من القيادات والشخصيات اللبنانية، خاصة أن سوريا كانت هي المتضرر الأول من هذه الحوادث، التي ضاعفت الضغوطات على دمشق بصورة أكبر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية تحديدا. كان الرجل لديه موعد عند الساعة الثامنة والنصف من مساء نفس اليوم في مجلس الوزراء، في اجتماع مصغر، وهو ما دفعني للخروج من مكتبه قبيل الموعد بنحو 20 دقيقة، ودعني خارج باب مكتبه بكل لطف وحرارة، وما أن وصلت عند مخرج باب الوزارة، وبينما كنت أهمَّ بركوب السيارة التي كانت تقلني، حتى وجدت غازي كنعان مسرعا يركب سيارته الـ "أودي" الحديثة، متجها إلى الاجتماع المزمع المشاركة فيه، خرج بسيارته التي كان يقودها بنفسه دون حراسة. هذا الرجل الذي ملأت سمعته أطراف الدنيا، وظل لسنوات حديث اللقاءات السياسية ووسائل الإعلام، التي ظلت تلاحقه تارة بالبحث عن الأخبار، وتارة باختلاق الأخبار حوله، عندما تجلس معه لا يشعرك بأنه رجل عسكري، وذو قبضة حديدية كما يقولون، بل يتواصل معك بكل أريحية ورحابة صدر وهدوء شديد، هكذا كان معي على الأقل خلال حواري أو لقائي الذي استمر معه قرابة 80 دقيقة. الرجل رحل إلى العالم الآخر، تاركا خلفه تساؤلات عدة، ربما اكثر من التساؤلات التي كانت ترافقه مثل ظله خلال حياته، خاصة في السنوات القليلة الماضية، ولكن في نهاية الأمر من المؤكد أن الرواية الرسمية بأن الرجل أقدم على الانتحار هي التي محل التصديق، إلا إذا ظهر أمر غير ذلك، وهو ما يدعو إلى عدم الاستعجال في إصدار الأحكام، أو تحميل المسؤولية لأي جهة كانت، لحين الانتهاء من التحقيقات التي تجريها السلطات السورية. رحل غازي كنعان، ولكن لم ترحل التساؤلات، بل شرعت أبوابها بصورة أوسع.