18 سبتمبر 2025
تسجيلعندما تبحث عن تعريف عام للثقافة، وتجد أول مشتقات المصطلح أصله من الطبيعة، فهذا يعني بأنك تظل تتوقع بأن الثقافة لا بد وأن تستمر في ارتباطها بطبيعتها الأصلية بطريقة ما، وحتى لو أزيحت عن سياقاتها وتمايلت نحو المبالغات الصنعية. هي مسألة متصلة مع الأساس وما تبعه من صناعات فهي بالتأكيد رعاية لنفس النمو الطبيعي له وبناء فوقي على الأساس، لذلك فلنعتبر كل من يبني على الطبيعية من الناحية الثقافية مقاولاً بحسب غايته وأدواته لوصف وطرح الفكرة بواقعية! وفي هذا المقال سنكتفي بقياس المفهوم الطبيعي للثقافة، لأنه بحد ذاته يكفي أن يكون نداء للحد من السيطرة على الثقافة وحكرا المصطلح على الصعيد البيروقراطي. ولا يمكن الحد من مفهوم الثقافة، هذا أمر لا خلاف عليه، لأنه قادر وبقوة أن يتسع ويتجدد لأنه شامل ومشمول، ووجدانيته لا مفارقات فيها، لأنه ممارسات وسلوكيات تظهر في أبسط الأشياء إلى الأكثر تعقيدا. ولكن في هذه الحال، ما نلاحظه عندما يرتبط ويحتكر في استخداماته المدنية فهذا يعني بأنه بدأ ينطوي على الصقل والتهذيب، في حين أن المفهوم الأساسي مبني على الحرفة والتشابك الوجداني التي تستمد من خلالها حاجتها وتصنع أدواتها من الطبيعية. فهي استخدام الأصل من نفس الأصل وليس التجرد منه أو استنكاره. لأن الطبيعة بحد ذاتها هي المصدر العضوي لكل الوسائل التي تساهم على تخطيها. وهنا سأتوقف كثيراً.. فإن كانت الطبيعة تنتج وسائل تخطيها وتتكون من خلالها بنيتها الفوقية لصقل الفكرة الثقافية، فهذا يعني أن الثقافة هي الوفرة المجانية والمتاحة بشكل يتخطى القيود والحصر.. وقد يحكر المبدأ بلا وعي عن مدى شموليته. أكتب هذا التفسير وأنا أستمر في الحديث عن الثقافة بمنظوري التي يرى كثرة الأبواب التي تغلق لمقاولي المشروع الثقافي الخاسر.. وهنا تأكيد على تفسير آخر لمفهوم الثقافة، بأنها الجدلية ما بين الصنعي والطبيعي، أو بحسب ما وصفه تيري إيغلتون بأنها ما بين ما نفعله بالعالم وما يفعله العالم بنا. وإن كان المفهوم يشمل وجهات نظر متفرقة حول المستويات التي ينظر من خلالها الثقافي، تظل الجدلية قائمة في العلاقة المتباينة فيما يقدم لنا المفهوم الثقافي وما نقدمه له في المقابل. وهنا نطرح السؤال، من وكم من الذين يقدمون للثقافة بالمقابل، وما مدى التقديم، وماهو أساساً المقابل؟ هل تشعر بأنه شمولي كمبدأ ويصعب وصوله إلى فئات مختلفة في العمر مثلاً؟ أم تشعر بأن يضيق عليك المفهوم بسبب احتكاره الصلب. لذلك الثقافة تظل دائماً في أزمة، بين كونها قائمة على جدلية الرفض المزدوج، لأنها واسعة في المفهوم من ناحية، وصرامتها وصلبها على الواقع لدرجة الازعاج بحسب تيري ايغلتون من ناحية أخرى. لذلك لا يعني بأن الشمولية للمفهوم هي الحل الوسط، ولكن في الوقت نفسه مازلنا نضيق على المفهوم وحصره في إطار معين مثل الهوية والتراث ولربما إضافة الفن بوصفه بشكل عام من دون تحديد مداه وأبعاده الابداعية التي تشمل فئات المجتمع كافة وإمكانياته في تجديد الوسائل. بالتالي، ما يترتب على هذه الجدلية هي صعوبة الخروج منها بسبب محدودية الإطار الذي قد يلبي هدف الثقافة من ناحية معينة، ولكن بالتأكيد يصعب عليه طرح فكرة الثقافة على إنها طريقة حياة. خلاصة القول: لا تصد الباب على الوسائط الثقافية للبنية الفوقية، مقاولي المشاريع، بل لا بد وأن يتغير البعد البيروقراطي للمفهوم لأن الثقافة هي كالواسطة للطبيعة بحسب شكسبير، لذلك هي رعاية للنمو الطبيعي. فإذا غفلت عن الرعاية من الصعب أن تبني الوسيلة المناسبة التي تساهم في بناء الأصل على نحو متواصل ومتجدد.