17 سبتمبر 2025

تسجيل

تصريحات خامنئي وتوزيع الأدوار الإيراني.. أين صقورنا؟

13 سبتمبر 2015

لم تكد تمضِ ثلاثة أيام على توقيع الاتفاق العتيد بين إيران وأمريكا حتى خرج المرشد علي خامنئي بتصريحات نارية كان مما قاله فيها: "إن سياستنا تجاه حكومة الولايات المتحدة المغرورة لن تتغير".كان المرشد يخطب وأمامه منصةٌ كُتبت عليها بالفارسية عبارة "سوف نسحقُ أمريكا" في حين كُتب تحتها بالإنجليزية "نحن نهزم الولايات المتحدة".. أكثرَ من ذلك، انتبهت بعض وسائل الإعلام إلى أن المرشد كان يتحدث في حين سُنِدَ إلى المنصة أمامه رشاشٌ حربي!من المؤكد أن (الاستهلاك الداخلي) أحدُ أسباب مثل تلك التصريحات، حيث يبيعُ المُرشد الشعارات لجزءٍ من الشعب الإيراني، تم، بنجاح، غسيل دماغه خلال العقود القليلة الماضية. لهذا قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عندما سُئل عن الموضوع يومها: "أنا أعلم أنه يحدث عادةً أن تُطلق بعض التصريحات بشكلٍ علني، في حين أن القضايا تتبلور، عملياً، بشكلٍ مختلف"..رغم هذا، تقتضي مصلحتنا ألا نقف عند ذلك التفسير، خاصةً في معرض فهم سياسة الولايات المتحدة، في المنطقة تحديداً، بحثاً عن مداخل التعامل معها بشكلٍ محترفٍ وخلاق، يصل بنا إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية المطلوبة من العلاقة معها.فخلال الأسبوع الماضي مثلاً، أعرب الرئيس الإيراني، حسن روحاني، عن استعداد بلاده لـ "الجلوس على أي طاولة مفاوضات في أي مكان من العالم، مع دول داخل المنطقة وخارجها".. كان هذا إشارةَ (انفتاح) من المؤكد أن أمريكا مقصودةٌ بها، إن لم تكن موجهةً إليها تحديداً، بحكم إدراك إيران لدور واشنطن الحاسم والنهائي في صناعة القرارات المتعلقة بالمنطقة، بغض النظر عن الهوامش المتروكة لأوربا.هنا أيضاً، خرج المرشد، بعد ثلاثة أيام، بتصريحات نارية أخرى تتعلق بأمريكا تستحق التأمل في طبيعتها. وكان مما تناقلته وكالات الأنباء منها قوله إن "وضع حد للمصالح الأمريكية اللا مشروعة في إيران، هو السبب الرئيس لحقد أمريكا وعدائها الذي لا ينتهي مع إيران وشعبها"، وأن "الخطوة التاريخية للإمام الخميني في إعطاء لقب الشيطان الأكبر لأمريكا"، ليتساءل بعد ذلك "أي عقل وضمير يسمح أن نصوّر مجرماً مثل أمريكا على أنها صديق وجديرة بالثقة"؟ ثم يحذر من "سياسات أمريكا وأساليبها للتغلغل" في إيران، ومن أن "الشيطان الذي طرده الشعب من الباب، يعتزم العودة من النافذة، وعلينا ألا نسمح بذلك". هذا دون أن ينسى الحديث عن العناصر الضرورية لـ "المواجهة المقتدرة مع العداء الذي لا ينتهي للشيطان الأكبر"، ثم يتابع قائلاً إن: "السبيل الوحيد لإنهاء المؤامرات الأمريكية، هو الاقتدار الوطني للإيرانيين، وعلينا أن نقوّي أنفسنا، بحيث ييأس الشيطان الأكبر من نتيجة عدائه".. ليؤكد بعد ذلك أن إيران قبلت "التفاوض مع أمريكا في الملف النووي فحسب، ولأسباب معيّنة... لكننا لم ولن نسمح بالتفاوض مع أمريكا في قضايا أخرى".لنقرأ مرةً أخرى العبارات والألفاظ والاتهامات الحادة الواردة في كلام المرشد عن أمريكا. ثم نتساءل: هل كانت التصريحات الأولى مدعاةً لأي تأثير سلبي في العلاقات والتفاهمات الأمريكية الإيرانية؟ لا، بكل وضوح. وسيكون هذا مصير التصريحات الأخيرة بالتأكيد.لا يمكن تفسير الظاهرة، كما يُبسُّطها البعض، بغرامٍ مفاجئ بين البلدين يصبح فيه النقدُ عتابَ أحباب.. ولا هو اتفاق (أيديولوجي) سري بين الشيعة وأوباما!.. كما يَهرفُ آخرون.إنه توزيع أدوار في إيران بإستراتيجيةٍ تُسمى (الصقور والحمائم) في مجال السياسة، أو (الشرطي الطيب والشرطي المتوحش) في مجال التحقيق الجنائي. وهذه إستراتيجيةٌ تستجيبُ لها حتى أمريكا، بأكثر مما نتصور، إذا تم استعمالها بإتقان وجدية.ثمة (تركيبةٌ) ناجحة في النظام السياسي الإيراني تسمح للنخبة الحاكمة بدرجةٍ من توزيع الأدوار، بشكلٍ لا يكون من باب التمثيل المُصطنع دائماً. فهناك مساحةٌ للاختلاف بين مكونات ذلك النظام وهيئاته، وهناك هامشٌ للنقاش والحوار، وبصوتٍ عالٍ أحياناً، بين تلك المكونات. لكن ذلك الاختلاف وهذا الحوار يبقيان في إطار البحث عن المصالح العليا لإيران، كما تراها تلك النخبة. هذا هو جوهر الإستراتيجية التي تدفع الطرف الخارجي، أمريكا في هذه الحالة، إلى البحث عن أوراق تُقدمها للطرف (الأكثر اعتدالاً) لتقوية موقفها في مواجهة الصقور الأكثر تشدداً.بالمقابل، يبدو الوضع في الواقع العربي مقلوباً على رأسه بأكثر من طريقة. فعلى سبيل المثال، تسمعُ الإدارة الأمريكية، في العلن، تصريحات (منسجمة) من أطراف عربية عديدة فيما يتعلق بمصالح العرب وشروط تحقيقها.. لكنها ترى وتسمع، بعيداً عن الأضواء، ممارسات ومقولات توحي بتضاربٍ كبير فيما يتعلق حتى بماهية تلك المصالح، فضلاً عن التكامل في العمل لتحقيقها.. ماذا نتوقع من أمريكا حين تُدرك هذا الواقع، مرةً تلو أخرى؟ أي استجابةٍ يمكن أن يتوقعها العرب، بجميع أطرافهم، من مثل هذه المعادلة؟ هذا، بوضوح، أقصرُ طريق لتوظيف العرب ضد بعضهم، ولضرب مصالحهم جميعاً، حتى لو كانت مختلفة.وفي نفس هذا الإطار من فوضى السياسات، يتفنن العربُ أحياناً في كبت كل أوراقهم (ذات الطابع الصقوري) في كل مجال.. ويستميتون في إظهار مماراستهم (الحَمَامية) بمناسبةٍ وبغير مناسبة. بل إنهم يتنافسون على مَن يكون مَلكياً أكثر من الملك في بعض الأحيان حين يتعلق الأمر بهذا الموضوع. وهذا أيضاً مدخلٌ، ليس فقط لتجاهل كل مصالح العرب، والاكتفاء بالأخذ منهم دون أي عطاء، وإنما أيضاً للاستهانة بهم سياسياً وإعلامياً ودبلوماسياً، بل وشخصياً في الأوساط السياسية المُغلقة، وبشكلٍ غير مناسبٍ ولا مقبول.لا يعدم الوضع العربي بطبيعة الحال وقائع تستلهم روح الإستراتيجية المذكورة أعلاه على طريق فهم سياسة الولايات المتحدة، والتعامل معها بشكلٍ يصل بالعرب إلى تحقيق الأهداف الإستراتيجية المطلوبة من العلاقة معها.في إطار تلك الإستراتيجية، جاءت التصريحات السعودية الإيجابية بخصوص الاتفاق النووي خلال زيارة الملك سلمان إلى واشنطن، ومعها فتح الباب للاستثمارات الأمريكية. ومن جانبٍ آخر، كان مقصوداً تزامنُ ذلك مع تصاعد الحزم العربي، بقيادة السعودية، في اليمن باتجاه الحسم.هذه خطوةٌ على الطريق. وإذا كنا لانجرؤ على الحلم برؤية مسؤولٍ عربي يخاطب أمريكا بقوة وأمامه رشاشٌ حربي.. إلا أننا نتساءل: بشيءٍ من حسابات (الأخذ والعطاء) السياسية، أليس هذا، تحديداً، الوقتُ المناسب لجرعةٍ مماثلةٍ من الحزم في الموضوع السوري؟