18 سبتمبر 2025

تسجيل

طاولة الحوار اللبناني بين الفائدة وتضييع الوقت

13 سبتمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); جاءت دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري إلى طاولة حوار جمع عليها القوى الأساسية في البلد لتحرك المياه السياسية الراكدة، وإعطاء بريق أمل أن عجلة الدولة التي تعاني من الجمود والتكلس يمكن لها أن تعاود الحركة. اللافت في مواقف القوى التي لبّت دعوة الرئيس بري أنها هذه المرة لم تضع قيوداً وشروطاً على جدول أعمال النقاش قبل الموافقة على المشاركة فيه، بخلاف ما حصل عند طاولة الحوار السابقة، التي فرض عليها حزب الله القفز فوق البند الخلافي الرئيسي بين المتحاورين وهو سلاح الحزب.من حيث المبدأ، لا يسع اللبنانيين إلا أن يرحبوا بطاولة الحوار، وأن يتضرعوا إلى الله أن يطيل جلساتها ويوسع عدد المشاركين فيها، ليس أملاً بالوصول إلى نتائج إيجابية، فهذا أمر يئس اللبنانيون من انتظاره، بل لأن انشغال السياسيين فيما بينهم على طاولة الحوار، يؤدي حكماً لانشغالهم عن الشعب اللبناني، فكما أن نوم الظالم عبادة، فكذلك انشغال الظالم عبادة. انشغال السياسيين ليس الإيجابية الوحيدة للحوار، فهو أيضاً يشكل منصة إعلامية رسمية لإطلالاتهم. وهو ما يعني بالتالي امتناع كثير من السياسيين عن اختراع مناسبات واحتفالات ومؤتمرات صحفية وتنظيم موائد لإعلان مواقفهم تجاه الأمور المستجدة. من إيجابيات طاولة الحوار كذلك، وربما هي الإيجابية الأهم، أنها تشكل تنفيسة طبيعية لأجواء الاحتقان والتشنج بين اللبنانيين. فمشهد رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة إلى جانب رئيس كتلة حزب الله محمد رعد وعلى الطرف الآخر من الطاولة العماد ميشال عون ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل وهم يتبادلون الابتسامات الصفراء، هذا المشهد وإن كان مصطنعاً إلا أنه ينعكس تهدئة لنفوس المناصرين لهؤلاء الأشخاص، وتنفيساً للكراهية المتبادلة بينهم، وبدء هدنة غير معلنة فيما بينهم، وهو أمر يعد إنجازاً كبيراً، يُحسب لطاولة الحوار ولو كان إنجازها الوحيد.إيجابية أخرى، وهي أن عجلة الدولة ستعاود الحركة، وخطوط التواصل بين أركانها ستعود الحرارة إليه، وإن كانت هذه الإيجابية يصنفها خبراء دستوريون في خانة الجريمة الموصوفة، لأن هذا التواصل يتم خارج مؤسسات الدولة الدستورية كمجلسي النواب والوزراء. لكن بعيداً عن الدستوريين، فإن التعطيل القائم في هذه المؤسسات، وشغور سدة الرئاسة، والحاجة لحماية لبنان من لهيب النار المشتعلة في سوريا، وتسيير شؤون البلاد والعباد، كل ذلك يشكل أولوية قصوى، وضرورة داهمة تستحق من أجلها أن يتم التغاضي عن الأصول الدستورية.مقابل إيجابيات الحوار الكثيرة، فإن سلبيات أخرى لم تعد سراً، فالمشاركون بطاولة الحوار لا يملكون الاختباء وراء أصبعهم والتصرف وكأنهم سيصلون لحلول الملفات المستعصية التي من أجلها تمت الدعوة للحوار، فهم يدركون أنهم "لن يشيلو الزير من البير"، ولن يتمكنوا من تقديم أو تأخير واقع الحال، ولعلّ هذا الإدراك المسبق بالعجز هو الذي دفع أطراف طاولة الحوار لتلبية دعوة رئيس مجلس النواب دون شروط مسبقة أو تردد. فالمتحاورون قبل الشعب اللبناني يدركون أن انتخاب رئيس الجمهورية ليس شأناً داخلياً تقرره القوى السياسية، بل هو أحد الملفات الإقليمية التي تتحكم بها الدول النافذة في المنطقة. وهو ملف ينتظر حالياً في الثلاجة ما ستسفر عنه الطبخة المشتعلة حول لبنان، ومن الواضح أنه لا يشكل أولوية ملحة، بل ربما يكون ملفاً هامشياً تتم التضحية به للوصول إلى تسوية إقليمية تعيد ترتيب الأوراق وتشكيل المنطقة من جديد.أما نقاش مشاركة حزب الله في القتال إلى جانب النظام السوري الذي شكل نقطة خلافية بين الأطراف السياسية وعامل تشنج واحتقان بين اللبنانيين فقد بات أمراً عفا عليه الزمن بعدما تشكل التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، وبات حزب الله في صف واحد إلى جانب الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يشكلون جبهة متكاملة لمحاربة هذا التنظيم، دون أي التفاتة لمعاناة الشعب السوري ومحاولة مساندته للتخلص من النظام الذي يقتل ويشرد ويعتقل ويعذب. لذلك، لم يعد حزب الله يجد نفسه مضطراً للرد على انتقادات القوى اللبنانية الأخرى حول سلاحه. هذا السلاح الذي طالما تجاوزت مهمته حدود لبنان، لتصبح هذه المهمة أكثر أهمية وأوسع نطاقاً، لا تتخطى حدود لبنان فقط، بل حدود المنطقة تحت عنوان مواجهة الجماعات التكفيرية.كل ما سبق يقود إلى سؤال: على ماذا يتحاور المتحاورون إذاً؟!.