13 سبتمبر 2025

تسجيل

عن أي تحالف يتحدث أوباما ؟!

13 سبتمبر 2014

سلوك الولايات المتحدة والمجتمع الغربي بشكل عام مع قضايا المنطقة لا يحمل على التفاؤل بحقيقة النوايا التي يرفعها هؤلاء عند الإقدام على عمل ما مرتبط بالدول العربية والإسلامية.. يوم الخميس الفائت اجتمعت الولايات المتحدة مع عشر دول عربية إضافة لتركيا في جدة للتباحث في كيفية مواجهة التنظيمات المتطرفة دينياً.. كان الغرب لماحاً عن نواياه عقب قيام تنظيم الدولة الإسلامية بذبح الصحفي الأمريكي الأول قبل عدة أسابيع في سوريا: داعش تشكل تهديدا للمنطقة، في حين كان ديفيد كاميرون أكثر وضوحا من نظرائه الأمريكيين والفرنسيين بقوله إذا لم نحارب داعش اليوم فإنه سيقاتلنا في شوارع لندن وشوارع أوروبا غدا..فجأة بعد كلمات الرئيس الأمريكي باراك أوباما تحرك العالم ! وهكذا تثبت الولايات المتحدة يوما بعد يوم أنها صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في أي تحرك دولي على مستوى العالم والمنطقة، وأنها ما زالت تملك كل خيوط اللعبة في المنطقة، وأن ما كان يحكى على مدار ثلاث سنوات أن نفوذها في المنطقة في طور الأفول وأنها تذهب مرغمة أو راغبة بعيداً نحو آسيا حيث الصين المهدد الحقيقي لمستقبلها لم يكن صحيحا، ولا في محله. بل إن تحركها الأخير بتشكيل تحالف دولي لمواجهة الإرهاب بهذه السرعة أظهر مدى الفارق والهوة الشاسعة بينها وبين من يليها مرتبة وأهمية على مستوى العالم الغربي في أي تحرك دولي .. لقد كشف المشهد الدرامي الأخير أن فرنسا وبريطانيا وألمانيا وعموم ما يطلق عليه العالم الغربي باستثناء روسيا ليست إلا أحجاراً على رقعة شطرنج يملك "الكينغ" الأمريكي الحق في تحريكها في أي اتجاه شاء.. وهذا الوضع يثير الريبة حول التباطؤ الغربي في حقن دماء السوريين أو إنهاء معاناة العراقيين التي تتحمل الولايات المتحدة المسؤولية الإنسانية والقانونية والأخلاقية لاحتلالها هذا البلد وإغراقه في مزيد من الفوضى لسنوات عديدة.التحالف الدولي الذي أقدم عليه الرئيس باراك أوباما ويسعى إلى تشكيله من 40 دولة وعلى مدار سنوات لمواجهة تنظيم داعش يكشف مرة أخرى أن الغرب ومن يدور في فلكه من دول لا يريد معرفة الحقيقة، وإنما شغله الشاغل أن يكون مطفئ حرائق تندلع هنا وهناك بوتيرة تتسارع مع الزمن دون أن يكلف نفسه عبء السؤال عن سبب اندلاع هذه الحرائق وكيف نحول دون تمددها إلى مناطق جديدة .في حقيقة الأمر، كان جورج بوش الابن أكثر منطقية وانسجاما مع مبادئه وأفكاره من شاغل البيت الأبيض اليوم.. ولم ينجح في القضاء على تنظيم القاعدة الذي أصبح له فروع رسمية في أغلب الدول العربية. كان بوش يملك إستراتيجية واضحة ورؤية كاملة حول ما يريد من غزوه العراق وأفغانستان ورغم ذلك نجح في هدف وحيد! كانت أرباح شركات إنتاج السلاح وتجارة النفط التي تمتلك العائلة بعض الأسهم فيها مع نائب الرئيس في حينه ديك تشيني تمثل حجر الزاوية في أي إستراتيجية خارجية تقوم بها الإدارة السابقة وإن كانت تطلي ظاهر تحركها ببعد قيمي على شاكلة نشر الديمقراطية وتعيمم ثقافة القيم الغربية في السياسة والدين على الشعوب المتخلفة. أما بارك أوباما فأثبت لنفسه قبل غيره أنه لا إستراتيجية لديه أصلا تجاه المنطقة، وأنه يتحرك على وقع الأزمات الداخلية ومسكون بهواجس أخطاء سلفه جورج بوش الكارثية في السياسة الخارجية، لذا قرر منذ قدومه البيت الأبيض أن يقيل نفسه من قضايا الخارج، وكأن بلاده لا شأن لها بما يحدث حولها.. ثم لما أراد التحرك خارجا تحت ضغط التهديد الذي يمثله تنظيم الدولة الإسلامية كان تحركه أقرب إلى تحرك دول المنطقة.. عربة إطفاء متنقلة بين الشوارع!لم يكن التحرك خوفا على القيم الإنسانية من الاندثار، ولا رغبة في حقن دماء الناس وإلا لتحرك منذ زمن، ولا إعادة تصحيح لمسار خاطئ، يسلكه الغرب منذ عقود تجاه المنطقة وأهلها.. أوباما يكرس مرة أخرى نفس أخطاء من سبقه.. ويحدوني شعور أن الغرب لا ينقصه ذكاء متواضع ليعرف حقيقة أخطائه وإخفاقاته في تعامله مع القضايا العربية والإسلامية بقدر ما أنه ما يزال يتعامل بلغة "السيد"، وهو إذا لم يستطع أن يسيطر على مسار الأحداث في المنطقة يصمّ أذنيه ويجهد في بناء جدار الوهم ظناً أنه يحميه، لكنه في حقيقة الأمر يعمق الهوة ويزيدها اتساعا.لا أمل من هذا التحالف، ولا يرجى منه تحقيق أهداف كبرى ونوعية مهما كانت الإستراتيجيات الموضوعة متقنة، لأن البداية خاطئة تماما.. الحلّ هو في أقصر الطرق وأسهلها وأقلها كلفة بشرية ومادية.. الحلّ يبدأ بمعالجة جذور الإرهاب: غياب العدالة الاجتماعية، والإقصاء المذهبي والطائفي والسياسي، وعدم إشراك جميع مكونات المجتمع في الحكم والإدارة والاقتصاد، إنها باختصار التغيب القسري للإنسان العربي من إنسانيته وهويته وحقه في القول والفعل يا سيادة الرئيس.