11 سبتمبر 2025

تسجيل

الحوار بدلا من المواجهة

13 سبتمبر 2014

يشكل موضوع الصناعات الثقافية والإنتاج الإعلامي العربي، ومدى قدرته على التفاعل مع الإنتاج العالمي وعلى تسويق الفكر والصورة والذهنية العربية، تحديا كبيرا ورهانا أكبر للدول العربية قاطبة. وإذا أخذنا موضوع القنوات الفضائية العربية كمثال للخطاب الإعلامي العربي أو كمثال لمخرجات الآلة الإعلامية العربية نجد أن معظم هذه الفضائيات ركّزت على التكنولوجيا وأهملت الرسالة ومعظم هذه الفضائيات تفتقر لخطة ولإستراتيجية ولميزانية لإنتاج الرسالة الإعلامية الهادفة التي تواجه بها التدفق الإعلامي العالمي الغزير. تحديات الألفية الثالثة في مجال الاتصال والمعلوماتية متشعبة ومتعددة وخطيرة في الوقت نفسه، والعالم العربي يجد نفسه اليوم أمام واقع يحتم عليه التحكم في التطورات التكنولوجية الهائلة في مجال الإعلام والاتصال ومواكبتها وهذا لا يعني التحكم في التكنولوجيا دون التفكير في الرسالة والمحتوى والإنتاج بعبارة أخرى في المخرجات. والتحدي الكبير الذي يواجه العالم العربي هو حماية الهوية الثقافية والحضارية للأمة العربية والإسلامية وشخصيتها القومية ومواجهة الذوبان في الثقافة العالمية (الأمريكية) التي لا تعترف لا بالحدود ولا بالقيم ولا بالآخر.التحدي الأكبر الذي يواجه الدول العربية في مجال الإعلام هو تحرير هذا الإعلام وتحرير الطاقات والمهارات والإبداعات والاستغلال الأمثل للقدرات والإمكانات المادية والبشرية لإرساء قواعد ومستلزمات صناعة إعلامية متطورة رشيدة وفعالة وقوية تستطيع أن تنافس وأن تقنع وأن تسوّق الأفكار والقيم والأصالة والهوية العربية الإسلامية للآخرين، كل هذه الأمور تتطلب الدراسة والبحث وإقامة علاقة متينة وتفاعل وتبادل وحوار صريح بين السلطة والمؤسسة الإعلامية والقائم بالاتصال والجمهور من أجل إرساء قواعد الثقة والمصداقية والفعالية في الأداء. ستكون معركة القرن الحادي والعشرين معركة إعلامية اتصالية معلوماتية يحسم نتيجتها مسبقا من يعرف كيف يستغل تكنولوجية الإعلام والاتصال وصناعة المعرفة. فالأمة العربية من الخليج إلى المحيط بحاجة إلى تحرير إعلامها وبحاجة إلى مواجهة النقد والاستقصاء والكشف عن العيوب والنقائص والتجاوزات، والكشف عن الأخطاء والتعلم منها. فالإعلام الحر والديمقراطي والفعال هو بارومتر تقدم الشعوب وتطورها، وبدون إعلام حر لا يحق للأمة العربية الإسلامية أن تتكلم عن مخاطبة الآخر ومواجهة الحملات الدعائية والصور النمطية ومختلف الصناعات الثقافية التي تنال من كرامة الأمة وشرفها. ومن دون نظام سياسي ديمقراطي يؤمن بحرية الفرد في المجتمع العربي ويوفر له مستلزمات الممارسة السياسية الديمقراطية فإنه لا يحق لنا أن نلوم الإعلام العربي أو نكلفه بأكثر مما هو قادر عليه. فشل العرب في امتلاك مشروع قومي وسياسي وتنموي وثقافي وإعلامي. فالإعلام العربي، ورغم التطورات الكمية التي شهدها خلال العقود الخمسة الأخيرة لم يكسب الرهان التاريخي في امتلاك مشروعا عربيا متكاملا يعكس البعد العربي الإسلامي العالمي والإنساني. فالإعلام العربي الموّجه للآخر يمثل امتدادا طبيعيا وموضوعيا للإعلام العربي الداخلي. فإلى أي مدى سينجح الإعلام العربي في تحقيق مهمة الدفاع عن الهوية الإسلامية والتاريخ والحضارة العربية الإسلامية؟ وهل الشروط والمستلزمات اجتمعت وتوفرت لإعطاء البديل ولتقديم ما يرضي المشاهد الغربي والعربي والمشاهد المسلم في مختلف بقاع العام؟ هل يستطيع الإعلام العربي أن يتحدى الواقع ويقدم رسالة إعلامية هادفة وجيّدة في قالب يكون بعيدا عن الرتابة والركاكة والروتين؟ هل يستطيع الإعلام العربي إيقاف ذوبان التراكم القيمي والمعرفي والاجتماعي للمسلم في الثقافة العالمية؟ هل يستطيع مواجهة الغزو الثقافي والرد على مظاهر الاغتراب والذوبان في الغير؟غيّرت أحداث 11 سبتمبر وقبلها انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية اتجاهات اهتمامات وبؤر تركيز الغرب من الأيديولوجية الشيوعية إلى الإسلام، هذا الدين الذي ينتشر في 55 دولة ويعتنقه أكثر من مليار وخمسمائة مليون نسمة إضافة أنه ينتشر بسرعة كبيرة في عدد من دول العالم. الإشكالية تحتاج إلى إجراءين اثنين الأول يتمثل في مواجهة حملات التشويه والتضليل والدعاية والحرب النفسية وهذا يحتاج إلى عمل استراتيجي علمي ومنهجي يقوم على هندسة الإقناع ولغة الأدلة والحجج والبراهين والمنطق. أما الإجراء الثاني فيتمثل في الاستغلال الأمثل للمكانة التي تحتلها البلاد الإسلامية في الخريطة الاقتصادية العالمية فهناك خمس دول إسلامية وهي الجزائر وتركيا وباكستان وإندونيسيا ومصر تشكل إلى جانب دول أخرى دول المحور التي تحسب لها أمريكا حسابات كبيرة في سياستها الخارجية. لقد زادت أحداث 11 سبتمبر من حدة صراع الحضارات لكنها في الوقت نفسه فتحت الباب على مصراعيه لمئات الآلاف في الغرب لدراسة الإسلام وفهمه والتعرف على الآخر والتحاور معه. فالعالم اليوم شرقه وغربه أمام تحديات كبيرة جدا تتمثل في التحاور والتفاهم من أجل الأمن والاستقرار وإيجاد نظام عالمي عادل ومتكافئ ينعم فيه الجميع بالاحترام المتبادل والتعايش السلمي. تتميز العلاقة بين الغرب والإسلام بالمواجهة بدلا من الحوار، وبالتقصير من قبل الجانبين في تحقيق الفهم والتعاون لتجنب العداء والصراع. كيف ينظر كل طرف إلى الآخر ولماذا انتشرت ثقافة الخوف والصراع والاستئصال بدلا من التفاهم والتكامل والتعايش؟ ماذا يمثل الغرب للمسلمين؟ هل يمثل المسيحية أم العلمانية أم الإلحاد؟ هل يرمز إلى الثورة الاقتصادية والثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي والتنوير وحقوق الإنسان والحريات الفردية وحرية الفكر والرأي، أو تمثله الفاشية والعنصرية والاستعمار والهيمنة، أم أن الغرب تمثله كل هذه المقومات والعوامل والظواهر؟الغرب مفهوم ضبابي تمثله كل التناقضات والظواهر والعوامل السابقة والتي قد يناقض بعضها البعض. ما يُقال عن الغرب يُقال عن الإسلام كذلك حيث إننا لا نستطيع أن نتكلم عن مجتمع إسلامي مثالي خال من أي تأثير للثقافة والحضارة الغربيتين. كما أن العالم الإسلامي ليس عالما متجانسا بالضرورة، فهو عالم يتسم بتناقضات داخلية عديدة ومتنوعة، قد تكون في بعض الأحيان حادة. من جهة أخرى نلاحظ أن الغرب لا يعني بالضرورة الديانة المسيحية وأنه عالم لا يسكنه سوى الأوروبيين؟ الغرب يحتوي على جنسيات وديانات عديدة ومختلفة ومنها الديانة الإسلامية. فهناك ملايين المسلمين يعيشون في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ففي عصر العولمة هناك تداخل مستمر وخليط ومزيج بين الثقافات والمعتقدات والديانات وأنماط المعيشة. وهنا نلاحظ أن الإسلام كدين، يؤمن بهذا التنوع ويحترم الأديان والمعتقدات الأخرى، فالتنوع والاختلاف والتمايز هي سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل، فالإسلام يرفض مذهب الصراع والتصادم ويمجد التدافع الحضاري وفلسفته. جاء في كتابه سبحانه وتعالى: "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة:48."يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات:13.