11 سبتمبر 2025

تسجيل

جامعة قطر.. وقانون التقاعد

13 أغسطس 2018

يبدأ المقال بهذا السؤال "وين هل قطر" .. "وين الأساتذة القطريين" .. "وين الدكاترة القطريين" سؤال بلهجة محلية وُجهَ - كما يقال - لإدارة جامعة قطر السابقة خلال حفل تخريج إحدى دفعات الجامعة الأخيرة نتيجة لغياب أعضاء هيئة التدريس القطريين أو ضعف حضورهم الحفل ذاته. سؤال في الحقيقة كان مفاجئاً، وغير متوقع، وإجابته لم تكن جاهزة، ولذا، فربما تعثرت الإجابة عليه في حينه، وربما أُعطيت إجابة غير شافية ولا مقنعة، وربما اُجتهدت الإجابة وأوحت بشكل أو بآخر بإحالة الكثير منهم إلى التقاعد لبلوغ سنه القانوني. وعليه، فربما صدرت تعليمات وتوجيهات عليا بالتصريح أو التلميح بعدم المساس بملفات الأساتذة القطريين الذين بلغوا أو تجاوزوا سن التقاعد لأي سبب من الأسباب دون رغبتهم الشخصية. وقد تجلى ذلك واضحاً في تغير نهج الإدارة السابقة للجامعة من التسرع إلى التأني والتريث في تطبيق القانون، والتقليل من وتيرة الدفع إلى التقاعد، والتساهل في تطبيق قانونه. وليس هذا فحسب بل ذهبت الجامعة إلى أبعد من ذلك، فغضت الطرف كليا عن ملفات الأساتذة القطريين البالغين سن التقاعد، وتُرِكَ الخيارُ مفتوحاً لمن يريد. واستمر الوضعُ على ذلك الحال طوال الفترة المتبقية من عهد الإدارة السابقة، وجزء قصير من عهد الإدارة الحالية، إلى أن أُعيد تفعيل القانون مؤخرا، وتنفيذه مباشرة دون تقديم أي إشارات أو تلميحات بهذا الاتجاه، ودون إشعار مسبق للمحالين للتقاعد، بل طُبق فوراً، ودون تردد على مجموعة ليست بالصغيرة من أعضاء الهيئة التدريسية القطريين المتميزين في تخصصاتهم العلمية، بتسريحهم دون مشاورتهم وأخذ رأيهم، أو مراعاة ظروفهم الأكاديمية من ترقية وغيرها، بل تم إبلاغهم شفويا تمهيدا لإشعارهم كتابيا بإحالتهم رسميا إلى التقاعد، ولم تتجاوز الفترة الزمنية بين الإبلاغ والإشعار الكتابي الساعة الواحدة تقريبا. وهذا في الحقيقة قرار كما يُردد اتخذته إدارة الجامعة الحالية استجابة للضغوط الخارجية من الجهات المعنية بتطبيق القانون. فالضغوط متوقعة، ومن الطبيعي أن تستمر إلى أن يقتنع المعنيون بعدم جدواها في وجود الحجة والبرهان والأمثلة الداعمة لموقف الجامعة في مواجهة الضغوط بالاستشهاد بطبيعة العمل الأكاديمي واستمراريته، وخصائصه وخصوصيته وإجراءاته الفنية فيما يتعلق بالتوظيف والتسريح والترقية. وهذه اسباب ومبررات قوية قد تدعم موقف الجامعة في الدفاع عن حقها في إبقاء كوادرها الوطنية في وظائفهم إن أرادت الاستفادة من الخبرات التدريسية، والأفكار والرؤى البحثية، والبصمة العلمية الاجتماعية، وآثارها الثقافية في المجتمع القطري، مستمدة دعمها بذلك من التوجيهات الآنفة الذكر، والتعليمات الخاصة بعدم المساس بالكوادر الأكاديمية الوطنية.    وبالنسبة لقانون التقاعد، وفلسفته، وأساسه القانوني، فمن المعروف أن التقاعد بإطاره التنفيذي العام له فلسفته الخاصة المبنية على مبدأ الإحلال في وجود البديل أو البدائل، من أجل تنظيم عملية التداول الوظيفي بين المواطنين من جيل إلى آخر، ومن فئة عمرية إلى أخرى، لتستمر الحياة، ويتوارث الأبناء الآباء فيما يتعلق بالمهام الوظيفية والمسؤوليات والخدمات وغيرها، وذلك من أجل تأمين الوظيفة والدخل المعيشي، لضمان العيش الرغيد لكل أفراد وأجيال المجتمع الواحد. وقانون التقاعد القطري ليس ببعيد عن هذه الفلسفة، وما تبنى عليه من مبادئ ومعادلات علمية تضمن صحة التطبيق. وبهذا المنطق يأتي السؤال الجوهري. هل ينطبق هذا المبدأ في ضوء معادلة الإحلال والبديل والحاجة على جامعة قطر في إطارها الأكاديمي الضيق؟ فالإجابة بالطبع لا. وذلك بكل وضوح لعدم وجود البديل، فالإحلال في هذه الحالة ما هو إلا إخلال بالتركيبة الوظيفية الأكاديمية. وذلك لأن البديل الموجود لا تنطبق عليه شروط الإحلال لعدم أهليته باعتباره غير وطني. ولذا، فشرط الإحلال منتفٍ هنا في هذا النطاق، وتطبيقه يتعارض مع سياسة التقطير الوظيفي في مؤسسات الدولة العامة والخاصة. وبذلك فتطبيقه يعني تفريغ الجامعة من كوادرها الأكاديمية الوطنية، مما يفقدها هويتها ووطنيتها في شكلها ومضمونها. وفي ظاهرها وباطنها، وثوابتها ومبادئها، لتتحول الجامعة الوطنية الوحيدة في الدولة مع مرور الوقت إلى جامعة غير وطنية، لا تمثل المجتمع القطري، ولا تعكس قيمه وثقافته وتراثه.  وتفنيدا للموقف برمته، يتضح للعيان أن تطبيق قانون التقاعد على الكادر الأكاديمي الجامعي في غيـــــاب معادلته الثـــلاثية الأبعـــــاد (الإحلال، البديل، والحاجة)، يعني تطبيق القانون باسمه دون روحه، وشكله دون مضمونه مُفرغاً من جوهره، وفاقداً لفلسفته الوظيفية.  ولذا، واستشرافا لما هو آت، فيبدو للعيان أن السؤال الآنف الذكر "وين هل قطر" سيتكرر مرة أخرى خلال السنوات القادمة إذا استمرت عملية التسريح بوتيرتها الحالية، فيتناقص عدد الأساتذة القطريين المشاركين والحاضرين للاحتفالات والاجتماعات واللقاءات والمؤتمرات العلمية والأكاديمية في المناسبات المحلية داخل الحرم الجامعي أو خارجه، وأثناء مراسم تخريج طلبة الجامعة بحضور كبار رجالات الدولة المعنيين بالجامعة.    ولم يبقَ في الختام، إلا مخاطبة من يكمن فيهم الأمل بالعدل والإنصاف، ووضع الأمور في نصابها وفق موازين ومقاييس وطنية مجتمعية علمية ثقافية، وهم أعضاء مجلس الأمناء باعتبارهم الأمناء المؤتمنين على الجامعة ونظامها وسمعتها وكيانها وكينونتها وهويتها ووطنيتها، وارتباطها العلمي والثقافي بمجتمعها القطري، والمحافظة عليه، وضبط بوصلتها وتوجيهها نحو وجهتها الصحيحة بما لا يتعارض مع قيم وثقافة المجتمع القطري، بصفتهم المعنيين بوضع النقاط على الحروف، بالدعوة إلى الجلوس لمناقشة هذا الموضوع ودراسته من جميع جوانبه وأبعاده المختلفة مع إدارة الجامعة لعلهم يصلون معها إلى سبيل يحفظ للجامعة هويتها ووطنيتها بكوادرها الأكاديمية حيث الاحتفاظ بهذه الكوادر المعطاة لأطول فترة ممكنة ما دامت الحاجة إليهم ماسة في ظل ما تشهده الجامعة من حركة تطوير كبيرة في برامجها الدراسية، والدراسات العليا، وتغيير مسار بعضها من الإنجليزية إلى العربية مما يفتح الباب واسعا لطلبة الدراسات العليا القطريين، وتشجيعهم على مواصلة دراساتهم العليا للحصول على درجتي الماجستير والدكتوراة في التخصصات العلمية المتاحة. هذا، والله من وراء القصد.